إن الحديث عن قانون انتخابي طائفي وعادل هو حديث باطل وغير عادل، وهو مخالف للدستور الذي اعتبر إلغاء الطائفية السياسية هدفاً وطنياً الزامياً، والقوى السياسية تحاول أن تجعل من الطائفية السياسية قدراً أبدياً للبنان، رغم معرفتهم انها مانعة لقيام الدولة الوطنية الحديثة، وانها كانت دائما السبب المباشر للتفكك المجتمعي ونزاعاته المدمرة. ولدينا شواهد على آثارها السلبية على التجربة الوطنية قتلاً وتدميراً، بالاضافة الى ما نشاهده في محيطنا من انهيارات وتشرد كانت الطائفية السياسية البغيضة سببه الأساس.
يحاول اقوياء الطوائف استرضاء ضعفاء الطوائف بكلمة النسبية، لإغوائهم بالعودة الى نعيم السلطة واستتباعهم في الحاضنة الطائفية النسبية وذلك لمنع تكوين جماعات تجاوزية داخل الطوائف تهدد النظام الطائفي المانع لقيام الدولة التعاقديّة بين الفرد والدولة لمصلحة الدولة التقاسمية بين أمراء الطوائف، لأن الفرد اللبناني غير متكون حتى الآن في اطر وطنية غير طائفية، بعد ان تم القضاء على تكوناته التاريخية عبر عسكرة السياسة والمجتمع والاقتصاد إبان الحرب الأهلية الطويلة.
مع بداية الألفية الجديدة استُهدِفت محاولات التكون السياسي الجديد في مجتمع ما بعد الحرب والإعمار والتحرير، والذي بدأ يتحدث عن ما بعد الظروف الاستثنائية او القاهرة التي أجّلت كل تغيير في ادارة الشأن العام وتكوناته، ومع ظهور فرد لبناني جديد محرر من اخطاء الحرب واطروحاتها وممثل للنجاح اللبناني في استعادة الدور والحضور، على اساس الابتكار والابداع بعيدا عن الاستتباع والولاء، فكانت الطائفية السياسية الاداة الافعل في تعطيل عملية الانسياب الوطني بافتعال الأزمات ومن ثم ادارة الأزمات.
ان الحديث عن قانون انتخابات طائفي عادل ليس فيه شيء من العدالة، بل هو مغاير لمعنى العدالة، لأن القوانين تقوم على اساس محاكاة الافراد على أساس الحقوق والواجبات، أي الثواب والعقاب، وتلك هي العدالة في الدين والقانون على حد سواء، اذ لا يحاكم على جريمة الفرد طائفته او قبيلته، وعندما يكون القصاص فردياً في القانون تكون الحقوق هي ايضا فردية، والعدالة في القانون الانتخابي لا تكون الا بالقانون العادل بين الافراد وليس بين الجماعات والطوائف، لأن العدالة الفردية مفقودة تماما داخل الطوائف، وكلما ارتفع منسوب العدالة للطوائف يزداد الظلم داخل الطوائف.
ليس هناك في لبنان توجه وطني عام يخاطب وجدان الافراد والجماعات، كتحرير الارض من الاحتلال او استعادة الوحدة الوطنية واعادة الاعمار، تلك التوجهات التي لامست عمق الحس الوطني لدى كل لبناني رغم اختلاف الآراء والرهانات، وكنا قد دخلنا في عملية مخاض وطني، وقد تم القضاء عليها، اما الجامع الوطني الوحيد الآن هو الرغبة بتأكيد الاختلاف والانقسام وبناء الجدران العازلة من خلال ما يطلق عليه القانون الطائفي العادل للانتخابات.
إن الظلم الطائفي على مرّ تاريخ لبنان كان يتمثل بظلم الطوائف لأبنائها اكثر من ظلم طائفة لأخرى، وإن النزاعات الأكثر مأساوية كانت داخل الطوائف سياسياً وعسكرياً، وذلك من اجل الهيمنة على التمثيل النيابي والوزاري من قبل مجموعات صغيرة داخل كل طائفة بالاضافة الى المراكز العسكرية والإدارية والقضائية في مؤسسات الدولة، من دون معايير اخلاقية وعلمية لاختيار الأشخاص، فتصبح الدولة إقصائية مقفلة بوجه كفاءات الافراد المواطنين، فلا احد يستطيع الدخول الى الدولة الا من خلال الولاء الطائفي والمذهبي. وهنا جاء إلغاء الطائفية السياسية هدفاً وطنياً بمثابة اعتراف موثق وملزم باعتبار الطائفية السياسية هي سبب كل بلاء في لبنان. ورغم انني اعرف ان هذا الكلام لن يغير شيئاً من الواقع الحالي، الا انّ قناعتي ان كل قانون طائفي هو غير عادل وغير وطني.