.. الخليفة البغدادي مات؟ أصيب؟ هل لديكم أنباء؟ هل أصبح وجوده واقعاً أم ما زال خيالاً هوليوودياً عن مصيرنا؟ في القاهرة لا ينتظرون رسل الخليفة. «داعش» على بُعد خطوات. ليس لأن «أنصار بيت المقدس» بايعتها. لكن لأن الزمن توقف وأصبحت الكوابيس واقعاً لا تذهب بهز الرأس إنكاراً أو إيقاظاً من الغفوة. لم تعد هناك مسافة بين الغفوة والصحوة. فالصحوة التي عشنا في بروباغندا انتظارها باعتبارها خلاصاً ومجداً. تلك هي الصحوة «الإسلامية» التي بشّرت بها جماعات صعدت من الهوامش الريفية والمدينية إلى قصور الحكم لتبدو في مساراتها وماراثون الصراع على السلطة كابوساً واقعياً تصل سكاكينه إلى النحور بما في ذلك من مبالغة / ودقة.. لأنه إذا هربنا من رسل الخليفة فليس أمامنا إلا العودة إلى المستبد / المخلص بضحكة الشماتة.
ماذا سيغيّر «حماس» في خطابه وميثاقه ليتميز عن «الصحوة» التي أنتجته، وبعدما أدرك أن أسلوب «المعركة الأخيرة» ورفع الرايات / مجرّد الرايات على قطعة أرض / أي قطعة هو «نصرة» أصحاب المجد الغابر.
لكن «النصرة» ظهرت بتجلٍ آخر وسار «داعش» إلى آخر الشوط ليظهر «المتطرف» معتدلاً / والراديكالي محافظاً / والمتسلق بالصندوق ديموقراطياً.. ولا بد من التمايز الذي يجعل الاصطفاف في مواجهة الكوابيس نوعاً من «الحروب العالمية» المصغرة. فالتقاربات بين واشنطن وطهران، ومراجعات الخطاب الحمساوي، والجهد الحثيث للبحث عن عصب باقٍ في التوليفة اللبنانية يُبنى عليه «اصطفاف ما» في مواجهة الوحوش الرابضة على بُعد خطوتين، اصطفاف أقرب إلى «شغل المواقع» ورغم أنها ركام «مواقع قديمة» إلا أنها عنيفة بل وأعنف ممّا يتخيّله شخص عاقل عن صراع خليجي مع «قطر» ينذر بتفجير مؤتمر التعاون الخليجي لتكون سابقة في «مجال الدول المحافظة / المستقرة / التي تخفي صراعاتها تحت العباءة».
ـ 2 ـ
الفراغ مرعب..
كأنما «داعش» سيتسرّب من تحت الباب. أو كأن الصراع على خلافة البغدادي / الجريح أو الميت يماثل الصراع حول خلافة بوتفليقة في الجزائر والذي في انتظار خلافته تتعدّد الاستفزازات للجار المغربي علّه يصنع اصطفافاً يغض الطرف عن خلافة الرجل المريض.
فراغ في مواجهة فراغ. وخلافة ترث خلافة. والسكاكين تجاور أسلحة الدمار الشامل.
..فأين يقف الفرد في تلك البلاد الذاهبة إلى القتل بضراوة والعنف كحل وجودي؟ ماذا يفعل ساكن هذه البلاد التي تتكاثر فيها التحالفات كما تفعل الكائنات التي يستدعيها الموت إلى مائدته؟
«داعش» يحمل توكيلاً غامضاً بالتدمير، بينما لا أحد يبني في مواجهته. ليس هناك طرف يقاوم آكلي الدول إلا بالبحث عن ساحة أخرى يبتلعها. حرب يتبارى فيها أمراء لا مكان فيها للفرد إلا خائفاً / باحثاً عن ثقب يختبئ فيه ويتفرّج من بعيد أو يهرب منه إلى خارج هذا الجحيم.
عادت الكلمة بالكامل إلى أمراء الحرب..، بينما الفرد العادي غارق تحت خطابات لا تتيح له مسافة بل وتطالبه باصطفاف لإنقاذ ما كان يعاني منه.. لكنها لحظة البحث في «الماضي» القريب عن إشراقة تحشد خلف القتلة القادمين من الماضي الأكثر بعداً يحملون قدرات على الدمار تسقط الأغطية القديمة كلها.
إلى درجة تتوغل فيها إسرائيل في صيغتها الاكثر قبحاً: الاستيطان / العنصرية.. بينما رئيس السلطة الفلسطينية يعلن أنه «لا انتفاضة ثالثة..» لم يعد لديه أصلاً دافع للتمسّح بالمقاومة أو ادعاء احتضانها.
المقاومة تقلّصت إلى الدفاع عن «ماضٍ جميل..» ضد «ماضٍ قادم مشفوعاً بالسكاكين»!! لا مكان للمستقبل / ولا للفرد.. هذا ما تتجاهله «الحرب الراهنة..».
ـ 3 ـ
التحالفات لا تستقر طويلاً.
وحتى الأنظمة التي رمّمت نفسها تحت إلحاح الكابوس الداعشي، لا تضمن البقاء إذا عادت عبئاً أو تعطّلت إمكاناتها أو فقدت القدرة على المناورة.
مصر ودول الخليج في بحث عمّا يعوّض فعالية أميركا.. ولذلك أعلنوا عن تحالف خاص بالتدخل في ليبيا واليمن.. لا سوريا والعراق.. وعبر «فرقة نخبة».. لكنه تحالف لم يتقدّم خطوة حتى الآن.
و«داعش» أصبحت قريبة جداً، هذا تغيّر في معادلة تصاحبها إعلانات عن وظائف مغرية في مؤسسات داعشية / بما يشير إلى رسوخ وتمكّن وزحف، وقدرات على وراثة «القاعدة» في احتواء ميليشيات آكلي الدول..
هل تغيّر التحالف وابتعاد التحالف المصري – الخليجي خطوة بعيداً عن أميركا أو تبديل خطة الحركة في اتجاه المتاهة الليبية أو الثقب اليمني.. تعبيراً عن قوة أو تمكّن؟
«داعش» تضخّم في فترة أقصر ممّا توقع الساخرون منه / وتجاوز الوعي إلى لا وعي جعله بطل حفلات الهالوين في القاهرة ومدن أخرى / الداعشي يتجوّل في مدينة تنتظر شيئاً ما.. وتتدمّر أطرافها كما لم يتوقع أكثر الأعداء سوداوية.