IMLebanon

وحدة كل طائفة تجعلها تحصل على مطالبها ووحدة كل اللبنانيّين تجعلهم يحمون وطنهم

بات واضحاً، نظراً إلى تركيبة لبنان الطوائفيّة، أن كل طائفة توحد موقفها تستطيع الحصول غالباً على مطالبها، وأن اللبنانيّين كلما وحّدوا موقفهم وعزّزوا وحدتهم الوطنية استطاعوا أن يحموا وطنهم من كل خطر داخلي أو خارجي. ولأن موقفهم لم يكن واحداً من صراعات المحاور، فإن لبنان يعاني اليوم ما يعانيه من جراء هذه الصراعات لأن طرفاً منهم كان مع هذا المحور وطرفاً مع محور آخر، فتحول لبنان ساحة مفتوحة لصراعات المحاور يدفع اللبنانيون ثمنها من سيادتهم وحرية قرارهم ولقمة عيشهم. فلو أنهم اتفقوا على تحييد لبنان وجعله يقف مع الإجماع العربي عند اتخاذ القرارات المهمة، وعلى الحياد عند الخلاف لكان تجنّب عواقب الانحياز والانقسام.

الواقع أن تحييد لبنان يعيده إلى زمن كان ينتهج فيه سياسة الصمود وليس سياسة التصدي فكانت خيراً له وللدول العربية نفسها كي يظل واحة للراحة والاستراحة من تعب الحروب ولا سيما منها العبثية. ولو أن لبنان انتهج سياسة “النأي بالنفس” منذ أن وافق الأقطاب بالإجماع على “إعلان بعبدا” لما كان يتحمل اليوم عواقب الفعل ورد الفعل في الحرب على الإرهاب، ولما كان الإرهاب تمدّد واشتدّ ساعده. ولو أن المجتمع الدولي حسم الأزمات في المنطقة حال نشوبها ولم يتركها تتفاعل ويتفرج عليها مقدماً مصالح كل دولة على مصالح الشعوب والدخول في تنافس على مراكز النفوذ، لما زادت الأزمات تعقيداً. ولو أن الولايات المتحدة الأميركية ومن معها أقاموا بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق حكماً قوياً عادلاً جعل الناس ينعمون بالأمن والأمان وبالحياة الكريمة، لما كان واجه العراق ما يواجهه اليوم من فقر وظلم وفوضى عارمة ويجد الإرهاب فيه بيئة حاضنة، ولما كان حصل في ليبيا ما حصل بعد إطاحة نظام معمر القذافي وبات الناس يترحمون حتى على أيامه وإن ظالمة ومستبدة، ولما ظلت الحرب في سوريا مستعرة والخلاف قائم على مصير حكم الرئيس بشار الأسد وعلى مصير سوريا. لذلك فإن سياسة الدول الكبرى نجحت في إقامة الفوضى العارمة التي وصفها البعض بـ”البناءة”… ولا شيء منها بل خراب ودمار ومزيد من الفقر والقهر للشعوب التي يتخرج منها الإرهابيون والانتحاريون عندما يصبح الموت في نظرهم راحة أبدية والحياة عذاباً وجحيماً. فهل تحزم الدول الكبرى أمرها وتتدخل بقوة كافية لاجتثاث الإرهاب من جذوره بعيداً من حسابات الربح والخسارة؟ حتى إذا ما عمّ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في كل دولة نعمت الشعوب بحياة كريمة وحكم عادل يجعل كل فئة لا تشعر بالخوف ولا بالغبن بل بالمساواة والعدالة، فلا يبقى عندئذ مكان لإرهابي واحد ولا لينتحر واحد سئم الحياة وفضّل الموت عليها.

هل تتفق الدول العظمى على تشكيل قوة مشتركة كافية لتضع حداً للإرهاب وضربه في أوكاره والمساعدة على إقامة حكم قوي وعادل في كل دولة تسودها الفوضى العارمة؟ حكم يجمع كل القوى السياسية الأساسية حول برنامج يعيد النهوض بالاقتصاد ويرسخ الأمن والاستقرار، وان تتفق هذه الدول أيضاً على حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً لأن ترك هذه القضية من دون حل سنوات طويلة كان بداية الشعور بالقهر والظلم والقيام بعمليات فدائية لاستعادة حقوق مسلوبة، ثم تحولت هذه العمليات الى ما يوصف بالارهاب.

لا شك في أن منظومة الارهاب تستفيد من انقسام الشعب في كل دولة، ومن انقسام الدول حول استراتيجية التصدي لها نظراً الى اختلاف المصالح والأهداف. فهل يكون ما سقط من شهداء استهدفهم الارهاب كافياً لجعل الدول العظمى تتفق على استراتيجية واحدة لضرب الارهاب والقضاء عليه نهائياً كي تنعم الشعوب المعذبة بالأمن والأمان والرفاهية في ظل حكم قوي قادر وعادل في كل دولة، حكم يلائم طبيعة كل شعب فيها، فلا تفرض عليه أنظمة لا يتقبلها أو غير مؤهل لها. فثمة شعوب لا تزال تفضل الحكم الشمولي أو العسكري أو الفردي، وشعوب لا تفضل سوى الحكم الديموقراطي الذي تحكم الأكثرية بموجبه والأقلية تعارض شرط أن تكون هذه الأكثرية منبثقة من انتخابات حرة ونزيهة يمثل الفائز فيها إرادة الناخبين الحرة تمثيلاً صحيحاً.