للعبة السياسية حدود، مع وصول الأزمة المالية والاقتصادية إلى أقصى حدود الخطر. وبدلاً من تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، تعيد السلطة إنتاج نفسها بوجوه مختلفة، ووفق مبدأ المحاصصة وتوزيع النفوذ والسطوة. مقابل هذا الازدراء الفاضح، بدأ الشارع يطوّر أفكاره وخططه. ففيما لم تتوقف المطالبة بحكومة اختصاصيين مستقلين، بدأت تحركات الشارع تتركّز صوب البرلمان، والشعارات تنحو في اتجاه المطالبة اليوم قبل الغد بانتخابات نيابية مبكرة.
قانونياً، انّ «مرسوم حلّ مجلس النواب يحتاج بعد «اتفاق الطائف» الى موافقة أكثرية ثلثي مجلس الوزراء، لكنه يصبح صعباً، اذا كانت غالبية الحكومة مؤلفة من نواب أو من ممثلي كتل في المجلس»، بحسب ما يقول المرجع القانوني حسن الرفاعي في كتابه «حارس الجمهورية».
ويضيف: «لم يُسجّل قبل «الطائف» أن استُعمل حق حَل المجلس النيابي إلّا في ما ندر… وصلاحية حل المجلس النيابي لم تستعمل يوماً بإفراط لأنّ شروطها الدستورية وانعكاساتها السياسية تضمن عدم الاسراف في استعمالها».
وفي المقابل، يعتبر الرئيس سليم الحص، في كتابه «عهد القرار والهوى»، «أنّ إمكانية حل المجلس النيابي بقرار مُعلّل من السلطة التنفيذية لم تعد متاحة، وفي هذا إخلال واضح في توازن السلطات لمصلحة السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية».
لكن، ما هو السبيل إلى تحقيق الانتخابات النيابية المبكرة، في ظل سيطرة قوى 8 آذار على غالبية المجلس، وفي ضوء النصوص القانونية المقدمة أعلاه؟. وهل هناك مساوئ محددة؟ ووفق أي قانون انتخابي؟
النائب السابق بطرس حرب أوضح لـ«الجمهورية» انّ «المجلس انتخب لمدة 4 سنوات ولا يمكن تقصير ولايته الّا بقانون توافق عليه أكثرية مجلس النواب، وهذا شبه مستحيل، لأنّ من وصل بهذا القانون لن يتخلى عن موقعه».
«أما الوسيلة الأخرى»، يضيف حرب، فهي «ان يستقيل أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب ليصبح المجلس عندها غير قادر على الاجتماع ولا الدعوة الى أيّ جلسة يكتمل فيها النصاب القانوني، فيتعطّل عمله وتضطر السلطة التنفيذية في هذه الحال للدعوة الى انتخابات جديدة في اعتبار انّ المجلس سقط، إلّا إذا قررت السلطة ان تغالي وتذهب بعيداً وتقرّر إجراء انتخابات فرعية للنواب المستقيلين ولو تخطى عددهم النصف زائداً واحداً».
ويقول حرب: «القضية قابلة للجدل، فإذا تعطلت قدرة هذا المجلس على الاجتماع بسبب استقالة 65 نائباً، فهذا يعني أنه غير موجود لأنّ نصابه يكون قد سقط». ويلفت الى وجود نظريتين لمعالجة هذا الامر: «إمّا ان تقرر الحكومة الدعوة الى انتخابات نيابية كاملة في اعتبار ان اكثر من نصف المجلس قد استقال، أو أنها، بحسب بعض المنظّرين الجدد في السياسة والدستور، تدعو الى انتخابات فرعية للمراكز الشاغرة وتعيد النصاب الى مجلس النواب». ويؤكد «أنّ هذا الأمر شبه مستحيل خصوصاً اذا كان عدد النواب المستقيلين يفوق نصف اعضاء المجلس، ولذا تضطر عندها الحكومة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة».
يبقى السؤال الأهم، وهو: وفق أيّ قانون انتخابي ستجرى الانتخابات النيابية المبكرة؟
يجيب حرب: «القانون الحالي الذي أنتجته هذه القوى التي أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه، سمح بتوزيع المراكز السياسية والنيابية بنحو يسقط اي رقابة نيابية على اعمال القوى السياسية التي تتألف منها أكثرية مجلس النواب. واذا جرت الانتخابات المبكرة، من الأكيد أننا سنشهد تغييراً في التمثيل النيابي في بعض المناطق ولعدد من الوجوه، إلّا أنّ هذا التغيير لن يكون كبيراً بالمقدار الذي يسمح بأن تبدأ مسيرة إصلاح جدية لطريقة إدارة شؤون البلاد، لأنّ هذا القانون سيسمح لبعض القوى بأن تحصل على أكثرية لها في مجلس النواب، تستطيع من خلالها ان تتحكّم، إن لم يكن بالقرار الكلي، بتعطيل أي قرار معاكس لمشيئتها».
صفير
ويشرح الخبير القانون المحامي أنطوان صفير القدرة على إجراء انتخابات نيابية مبكرة في ظل حكومة تصريف اعمال، فيقول لـ«الجمهورية»: «إذا فرضت الانتخابات النيابية المبكرة على اساس استقالة أكثر من نصف اعضاء مجلس النواب، أو اذا تم تقصير ولاية مجلس النواب، فمن الأكيد انّ الانتخابات تتم في ظل حكومة تصريف الأعمال».
أما اذا كانت الانتخابات المبكرة تستبطِن الدعوة لاحقاً لانتخابات رئاسية مبكرة، يقول صفير: «الموضوع غير جائز دستورياً لأنّ رئيس الجمهورية قانوناً ينتخب لمدة 6 سنوات، ويجب ان تنقضي هذه السنوات لكي تكون هنالك انتخابات رئاسية جديدة، بغضّ النظر عمّا اذا حصلت الانتخابات النيابية ام لم تحصل. الموضوعان غير مرتبطين بعضهما ببعض لأنّ انتخابات الرئاسة حصلت في المجلس السابق وتستمر بحسب النص الدستوري لمدة 6 سنوات، ولا يمكن لانتخابات نيابية جديدة ان تؤثر على هذا الموضوع».
هذه المعطيات، تجعل ناشطي الحراك ينقسمون بين آراء عدة، بين من يُبدّي مسألة التركيز على تشكيل الحكومة أولاً، وبين من يريد انتخابات نيابية مبكرة. ويؤكد الناشط في البيئة الحاضنة للانتفاضة المحامي شادي طبر لـ«الجمهورية» انّ «الانتفاضة لا تريد ان تستبدل النظام الديموقراطي بنظام ديكتاتوري أوليغارشي».
ويقول: «يجب أن يكون هناك فرصة للقوى التغييرية لكي تستطيع ان تتنظِم أولاً، وتطرح خيارات بديلة داخل طوائفها ثانياً، لأنّ البحث عن خيارات خارج الطوائف ليس واقعياً حالياً. فهذان الشرطان أساسيان لإحداث تغيير حقيقي، وإلّا هناك خوف من ان تجدد الطبقة السياسية نفسها في ظل انتخابات مبكرة وفق القانون الحالي».
ويضيف: «الأكثرية الشيعية قد تنتظم مجدداً لدى الثنائي الشيعي حركة «أمل» و«حزب الله» ولو دخلت اليها وجوه جديدة، يضاف اليها قدرة السلاح التي تفرمل لاحقاً كل المشاريع، والدليل انتخابات 2009. امّا لدى السنّة فلن يكون في استطاعة سعد الحريري ان يقدّم وجوهاً جديدة ولا الوقت ليجدّد نفسه. وبالتالي، سنكون امام أكثرية تصبّ لدى تيار «المستقبل»، أو لدى رموز سياسية أخرى مثل نجيب ميقاتي في طرابلس او فؤاد مخزومي في بيروت، أو لا سمح الله تذهب نحو جماعات متشددة. وعند المسيحيين، يجب ان تتوافر الفرصة للسماح لرأي عام كبير ان يختار بديلاً من الثنائي جعجع وعون، وهذا يتطلب فرصة لتكون هناك أحزاب وتحالفات بديلة وهذا غير مؤمّن حالياً. لذا، فإنّ عنصر الوقت أساسي، وعلى الناس أن تصدّق أولاً انّ هذه السلطة انتهت. وان يتم تشكيل حكومة تنظّف المجتمع ومؤسسات الدولة من الآليّات السلطوية التي بُنيت منذ سنين طويلة. وبعد انتهاء عهد التحكّم والتسلّط، تُنظّم انتخابات عبر درس قانون انتخابي جديد، وسد الثغرات التي تمنع القوى الجديدة التغييرية من ان تكون لديها فرصة الوصول».
أمام الانتفاضة تحديات كبيرة ومسؤولية كبيرة، وعليها تُبنى الآمال بقيام دولة فعلية يسودها القانون والعدالة والشفافية، ولبنان الجديد، شرط تحديد الخيارات وسلوك الطريق الصح.