Site icon IMLebanon

قنبلة الانتخابات النيابية المبكرة: “بعد بكير عليها”!

 

لا يهمّ إن تساقطت أوراق الوزراء والنواب الواحدة تلو الأخرى بفعل الاستقالات الفردية، أو رمى رئيس الحكومة حسان دياب بورقة حكومته دفعة واحدة أو تمكن من الصمود بضعة أسابيع إضافية… كلها مساع ترقيعية تحاول ابقاء الاوكسيجين في شرايين منظومة موضوعة في العناية الفائقة، لأن الدولة برمتها سقطت ومعها النظام السياسي، والباقي تفاصيل.

 

لم يأت زلزال الرابع من آب على المرفأ والمنطقة المحيطة به، لا بل قضى على ما تبقى من الإطار السياسي المتهالك منذ سنوات. واذ بالدمار شامل يحلّ ثقيلاً على اللبنانيين ولا ينقص سوى اعلان وفاة الجمهورية الثالثة.

 

قالها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بوضوح: “ثمة حاجة الى نظام سياسي جديد”، ما فُسّر أن ماكرون يريد نظاماً يقوم على انقاض اتفاق الطائف المنتهي الصلاحية منذ زمن، ليعود ويوضح ماكرون قبل عودته إلى باريس أنه لم يطالب بتغيير الدستور. قد تكون بداية التغيير من خلال حكومة وحدة وطنية تضع كل القوى السياسية أمام مسؤولياتها ويكون جدول أعمالها محصوراً بالبرنامج الاصلاحي. لكنها بالنتيجة ليست الهدف. هي ببساطة ممر الزامي تعبر عليه الطروحات الاصلاحية الى مشاريع وقوانين وقرارات، لينطلق من بعدها قطار التغيير الحقيقي نحو دولة المؤسسات والشفافية التي تقطع أطراف اخطبوط مزاريب الهدر والفساد الذي غذّى القوى السياسية على مدى عقود من الزمن.

 

ولكن ماذا عن الانتخابات النيابية المبكرة؟

 

حتى ساعات مضت، كانت امكانية تقدم الكتل النيابية الأساسية وتحديداً “تيار المستقبل،” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، و”القوات” غير مطروحة على النقاش الجدي، كل لاعتبارات متصلة به. فجأة، طرح رئيس الحكومة هذا المخرج على الطاولة معلناً أنّه “بواقعية لا يمكن الخروج من أزمة البلد البنيوية إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة لإنتاج طبقة سياسية جديدة ومجلس نيابي جديد”. وأكد أنه غير متمسك بالحكم، مشيراً إلى أن “حكومته التزمت في بيانها الوزاري بمطالب الثورة، وأنه لا يمكن الخروج من الأزمة إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة”.

 

قبله، حاولت بعض مجموعات 17 تشرين الأول فرض هذا البند عنوة على جدول أعمال السلطة، فيما اتخذ حزب الكتائب من هذا الطرح شعاراً لمعركته الاعتراضية. لكن المسألة بقيت سراباً، إلى حين وقع تسونامي الدم والنار الذي سوّى العاصمة بالأرض.

 

خلال الساعات الأخيرة، ترك أكثر من نائب لوحته الزرقاء، فيما كان نواب الكتائب أول الكتل النيابية التي قررت التمرد على مجلس النواب. وبالأمس خرج جعجع ليعلن أنه “إلى جانب أعمال الإغاثة القائمة في بيروت نحن نعمل الآن على إغاثة الجمهورية من خلال تخليصها من هذا المجلس النيابي، كما نجري الاتصالات اللازمة ونقوم بالجهود الحثيثة لجمع ما يكفي من الاستقالات للوصول في أسرع وقت ممكن إلى انتخابات نيابية مبكرة”.

 

بالمبدأ، لا يمكن اجراء انتخابات نيابية مبكرة الا في حال قرر مجلس النواب ذلك بمعنى الاقدام بمبادرة ذاتية منه على اقرار قانون تقصير ولايته للمضي بعدها في قرار اجراء الانتخابات. أما سيناريو الاستقالات الفردية أو الجماعية فلا يمكنه بالقانون تعبيد الطريق نحو صناديق اقتراع توزع على امتداد الوطن. لا بل يمكن للحكومة في ما لو أرادت ذلك، أن تدعو الى انتخابات فرعية لملء الفراغات الحاصلة.

 

ولهذا، فإنّ الجهود التي أعلن عنها جعجع لن تؤدي حكماً الى انفراط عقد المجلس والاجراء الحكمي للانتخابات قبل موعدها، لاستحالة هذا الأمر دستورياً. تقول مصادر “القوات” إنّ المشاورات التي يجريها رئيس الحزب تصبّ بشكل أساسي على تعطيل المجلس وإفراغه من شرعيته الدستورية والشعبية. كيف؟

 

تجيب مصادر “القوات” إنّ ثمة وجهتي نظر في هذا الشأن: أولاها النظرة الكلاسيكية والتي تقول إنّ نصاب مجلس النواب يحتاج إلى نصف عدد أعضاء المجلس زائداً واحداً. وثانيتها نظرة دستورية تقول إنّ بعض الجلسات تحتاج الى نصاب الثلثين، وبالتالي إنّ الثلث زائداً واحداً هو نصاب مُعطّل، وتحديداً جلسة انتخاب رئيس الجمهورية (مع العلم أنّ “القوات” خاضت معركة فرض نصاب النصف لانتخاب رئيس الجمهورية). ولذا تعتقد أنّها في حال نجحت في تأمين استقالة ثلث أعضاء النواب زائداً واحداً فهي ستتمكن من تعطيل المجلس وفرض أمر واقع جديد يزيد من أزمة الأكثرية القابضة على السلطة ودفعها بالنتيجة الى تقصير ولاية مجلس النواب واجراء انتخابات جديدة.

 

وتشير “القوات” الى أنّ الاتصالات مع الحلفاء وتحديداً “المستقبل” تجرى على قدم وساق وقد تؤدي الى نتائج جيدة بشكل يؤمن استقالة ثلث معطل من أعضاء النواب. وهنا لا يمكن اغفال عنصر مؤثر في هذا المسار، وهو أنّ “تيار المستقبل” غير متحمس أصلاً لخوض الانتخابات من جديد وفق القانون الحالي الذي يرى فيه مقصلة لا خشبة خلاص. ولذا قد يفضل تعديل القانون قبل المضي في امتحان صناديق الاقتراع، وطبعاً قبل تعطيل المجلس.

 

أما “القوات” فتخالفه الرأي كونها الأكثر حماسة لخوض تجربة الانتخابات لاعتقادها أنّ زلزال الرابع من آب وقبله فاجعة الأزمة الاقتصادية، قضما من شعبية “التيار الوطني الحر”، وبالتالي كل تراجع يتكبده العونيون سيصب حكماً لمصلحة خصومهم.

 

ولكن بعيداً من المنحى القانوني، ثمة منحى سياسي لا يقلّ أهمية يجعل من مطلب اجراء الانتخابات المبكرة، غير قابل للتحقيق في هذه المرحلة لأسباب كثيرة أهمها:

 

– حتى الآن، وحدها الساحة المسيحية هي أكثر البقع السياسية تعرضاً للتغيير في حال شرعت صناديق الاقتراع في هذه اللحظات بالذات التي تغلي فيها البلاد تحت وطأة أحداث مأسوية، ولذا يبدي حزبا القوات والكتائب حماستهما لهذه الخطوة كي يقلبا توازنات خريطة النواب المسيحيين.

 

– حين يتحدث الرئيس الفرنسي عن تغيير في النظام السياسي فهو يعرف جيداً أنّ هذا التغيير لن يتمّ الا من خلال قانون انتخاب يسمح بدخول مجموعات سياسية جديدة قادرة على كسر احتكار القوى التقليدية. لكن مجموعات الحراك المدني لم تتمكن حتى اللحظة من تنظيم نفسها لتقدم أطراً بديلة للرأي العام. وهذا ما يجعل الانتخابات مؤجلة طالما أنّ الهدف المرجو منها غير مؤمّن.

 

– لا يبدو أنّ قوى الثامن من آذار في وارد التخلي عن أكثريتها النيابية لتمضي في مشروع تقصير ولاية المجلس، أقله في هذه المرحلة.