IMLebanon

السلطة: كل شيء وارد إلّا الإنتخابات المبكــرة؟!

 

على رغم من حجم الأزمة وما خلّفته «نكبة بيروت»، لا يبدو انّ أركان السلطة على استعداد للبحث في أي خطوة تسمّى «إنقاذية» ما عدا الانتخابات النيابية المبكرة. ووفق ما جمعته مراجع سياسية وديبلوماسية، فإنّ القبول باستقالة حكومة اللون الواحد سيكون حتمياً اذا بات امراً واقعاً. وإذا تطورت المواقف الدولية، فإنّ البحث في الاستراتيجية الدفاعية طريقاً الى السلاح ممكن. وعليه، ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟

ليس من الصعب التوصّل الى اقتناع بأنّ المتحكمين اليوم بالسلطة والمؤسسات عبر الأكثرية النيابية والتحالف الرباعي الذي رعى وشكّل «حكومة التحديات» بعدما نجحوا في إقصاء الآخرين عنها، ما زالوا يُحكمون القبضة مهما قيل فيهم وعنهم. وذلك استناداً الى أكثرية نيابية موصوفة ومحققة قادرون على المواجهة بما لهم من قوة. وقد يتساهلون عندما يتصل الأمر بخطوات بسيطة، فكيف إن كان المطروح انتخابات نيابية مبكرة وإعادة انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب كما يقول النظام البرلماني المُعتمد في لبنان.

 

وفق هذه المعادلة، لا يختلف اثنان من اهل المعارضة والقيادات السياسية المحايدة ومعهم ديبلوماسيون من مختلف الجهات على قراءتهم المشتركة التي تقول انّ التحالف القائم بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المردة « والثنائي الشيعي مُظللاً برئاسة الجمهورية ما زال قائماً على قاعدة قوية. فهو الذي نجح في توليفة «حكومة التحديات»، ويمكنه الصمود امام كل أشكال المعارضة الداخلية مهما قسَت وتقدمت وتعاظمت قوتها فإنّها لن تمس الأكثرية النيابية التي تتمتع بمميزاتها المختلفة الوجوه. والثابت انّ المَد الشعبي الرافض لكل التركيبة السياسية، والتي عبّرت عنه بوضوح انتفاضة 17 تشرين الأول الماضي وفي اكثر من مناسبة وظرف، وما جاءت به جائحة «كورونا» لم تتمكن من زحزحة هذه الاكثرية لا بل زادَتها شراسة وعناداً للتمسّك بالسلطة وبقراراتها، ولم تعط أي اشارة الى احتمال أن تُغيّر أياً من خياراتها السياسية والاستراتيجية المحلية والإقليمية والدولية، لا بل فإنّ ما حصل شكّل فرصة للتمسّك بالسلطة ومكتسباتها.

 

ولا يخفى على أحد من اهل السلطة وخارجها ما جاءت به الاحصاءات التي أجرتها كبريات المؤسسات الإحصائية ومراكز الدراسات عند توصيفها للمزاج الشعبي المناهض لأهل السلطة، فهما بطرفيهما، ولا سيما أهل الحكم، يدركان قبل غيرهما حجم التحولات في هذا المزاج الذي بات مناهضاً لأهل السلطة ورموزها فيما يستمر بعض أهل المعارضة على تشكيكهم ببعض المجتمعات التي لا يمكن ان تغيّر في ولاءاتها السياسية والحزبية والطائفية، وهم جميعاً يدركون هذه الحقائق بعدما عايَشوا عشرات التجارب السابقة منها.

 

وبالإضافة الى ذلك يدرك الجميع انّ اهل الحكم ليسوا على استعداد للتفريط بأيّ من مقدرات السلطة التي في أيديهم إلّا بالقوة، والدلائل على ذلك كثيرة منذ أن تلاحقت الدعوات الى إسقاط الحكومة نتيجة الازمات المتتالية الاقتصادية والنقدية، كما تلك التي تسبّبت بها «نكبة بيروت» فمورسَت الضغوط بأقسى ما يمكن فعله لحمايتها من السقوط. فالاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة بعد ظهر الاحد مع مجموعة من الوزراء من أصدقائه الشخصيين والمحسوبين عليه، لم تمنع من استقالة وزير البيئة والتنمية الادارية دميانوس قطّار المحسوب عليه شخصياً. كذلك لم تمنع ضغوط «التيار الوطني الحر» من ان تستقيل وزيرة العدل ماري كلود نجم، وأن يفكر وزير الاقتصاد راوول نعمة بالاستقالة، وربما لحق بهما وزراء آخرون بعدما تجاوزت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد كل الضغوط السابقة، فاستقالت قبل ان تتعاظم الضغوط على زملائها المتبقّين.

 

وليس أدلّ على الاستعداد لحماية الحكومة من تجهيز اللوائح للوزراء البدائل، فالوعود التي سبقت التشكيلة الجديدة لم تسقط. وتجربة استبدال وزير الخارجية ناصيف حتي بشربل وهبة شكّلت نموذجاً واضحاً ورسالة الى كل من يفكّر بعكس هذا المنطق، فقد آن أوان الإيفاء بالوعود التي أطلقت عند تشكيلها ما لم يسبقهم رئيس الحكومة حسان دياب في استقالته، فينتهي المسلسل في حلقته الأخيرة.

 

وبمعزل عمّا سيكون عليه الوضع الحكومي، فإنّ ما هو مطلوب من الحكومة بعد كل ما جرى ان تبقى في الواجهة ولو بمهمة تصريف الاعمال، فليس هناك شيئاً مهماً مطلوباً منها ومن رئيسها غير ان يكون في موقعه. فهي لم تُنجز أي ملف وضع بين ايديها، ولا تمكّن رئيسها ومعه جيش الخبراء والمستشارين ووزير المال من توحيد ارقام الخسائر ووضع قانون «الكابيتال كونترول» من اجل الاقلاع في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا مع مؤسسة «لازارد» التي قبضت قسماً كبيراً من أتعابها من دون ان تُنجز ما يؤدي الى فتح المفاوضات المعقدة مع مالكي سندات اليوروبوندز المحليين والدوليين. ولا ينسى احد انّ أزمة النفايات قد تفاقمت من دون اي فكرة او مشروع لمواجهة آثارها، لا بل فقد تسبّبت الخلافات بين اطراف الحكومة ومعارضيها بفتح أزمات أخرى في بيروت والشوف وعاليه لمجرد رفض «الحزب التقدمي الإشتراكي» استئناف مشروع «سد بسري». فأقفل مطمر «الكوستابرافا» في وجههم قبل ان تستكمل الاستعدادات للبدائل، بعدما قدّم رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» أرضاً بديلة لنفايات الشوف وعاليه، وربما أعيد فتح مطمر الناعمة الذي يتّسع للبعض منها ان اضطر للقيام بعملية طارئة لمواجهة نتائج المواجهة التي قادها «حزب الله» عبر بلديات الضاحية مُتسلّحاً بالمهل التي تجاوزتها الوعود السابقة.

 

في اي حال، يقول المطلعون انّ الظروف التي فرضتها «نكبة بيروت» لا تُقاس بما ما سبقها من استحقاقات، فقد ارتجت الارض تحت القصور والسرايا ومقار الوزارات ولم يفكروا في استقالة الحكومة. وجاء الرئيس الفرنسي برزمة من النصائح ولم يتغيّر شيء. وما سبق ذلك كاف للدلالة الى وجود موقف صارم وصلب أيّاً كانت الأثمان. وأيّاً كانت الترددات، فإنّ أقصى ما يمكن القبول به ان تتحول الحكومة الى تصريف الاعمال في ظل صعوبة توليد أخرى. وفي الحالتين لن يتغير شيء عند اركان السلطة، فما بات ثابتاً لا يقبل الجدل في انّ هناك استعدادات للبحث في كل الخطوات المحتملة التي يمكن ان تشكّل عبوراً الى مرحلة الحل سوى الحديث عن انتخابات نيابية مبكرة ما لم تقلب الكتل النيابية المعارضة الطاولة مع مجموعة من النواب الذين من المحتمل خروجهم من الكتل المسيطرة على الأكثرية وسط صعوبة الوصول الى استقالة النصف زائداً واحداً ان اختلف التفسير حول الحاجة الى الثلثين.

 

وقبل الوصول الى تلك المرحلة تجدر الإشارة الى انّ استقالة ثلث عدد النواب تعطّل اعمال المجلس، ولا يستطيع الاجتماع ما لم يقدم على خيار الانتخابات الفرعية لملء الشواغر ان بقيت دون تقصير الولاية الكاملة. وما عدا ذلك مجرد سيناريوهات وهمية، فكل ما هو متداوَل في الكواليس يقرّ بأنّ من بيَدهم الأكثرية النيابية اليوم لا يفكرون في كواليسهم سوى بالتمديد للمجلس من دون إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها عام 2022، فكل الظروف مهيّأة لمثل هذا الخيار الاستراتيجي وصولاً الى احتمال القبول بمناقشة مصير السلاح غير الشرعي تحت عنوان «الاستراتيجية الدفاعية» كما يقول احد أقطاب السلطة.