في 17 تشرين الأول 2019 إنفجر الشارع، وثار الشعب اللبناني على السلطة الحاكمة، وتوسّعت دائرة الاحتجاجات، وعمّت التظاهرات، وصَدحَت الأصوات مُطالبة برحيل الطبقة الحاكمة والسلطة الفاشلة من دون أن يرفّ لهذه السلطة جَفن على الإطلاق. إنما على العكس استمرّت في تصَلّفها وتعَنّتها وتمسّكها بالسلطة من دون أي خجل أو وَجَل.
ومنذ تاريخه، إزدادت الأوضاع تدهوراً، وجاع الشعب اللبناني، وبات تحت خط الفقر المُدقع، فيما السلطة لمّا تَزل متلهّية بالحصص والمواقع، مُعتقدة نفسها أنّها الحلّ، فيما الواقع أنّها المشكلة التي يتوجّب حلّها.
مِن هنا، كان طرح الانتخابات النيابية المُبكِرة، لا سيما بعد ثبوت فَشل السلطة والطُغمة الحاكمة، والتي بات من الواجب إخضاعها لإرادة الشعب ولِقراره.
فالمادة /21/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نَصّت صراحة على أنّ إرادة الشعب هي مصدر السلطات. يُعبّر عنها بانتخابات نزيهة، تجري على أساس الاقتراع السرّي وحريّة التصويت، إمّا أن تكون دَورية، وإمّا أن تكون نتيجة ظروف استثنائية طارئة.
فالمبدأ، أن تجري الانتخابات في مواعيدها. لكنّ الاستثناء يُجيز إجراءها نتيجة ثورة شعبية، أو مُتغيّرات طارئة، أو أحداث مُستجدّة. وهذا ما نشهده في عدد من الدول والعواصِم الراقية والمُتحضّرة.
كذلك، الإتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية، والتي انضَمّ إليها لبنان عام 1972، نصّت بدورها على أنّ لكل مواطن الحق والفُرصة في أن يَنتَخِب ويُنتَخَب في انتخابات تجري وتحصل.
وبالعَودة إلى أحكام الدستور اللبناني، يتبيّن جليّاً أنّ الفقرة «د» من مقدمته، نَصّت حرفيّاً على أنّ الشعب هو مصدر السلطات، يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
ممّا يُفيد، أنّ مبدأ دَوْريّة الانتخابات هو مبدأ دستوري، لارتباطه بمبدأ انبثاق السلطة من الشعب، وخضوعها للمُحاسبة في الانتخابات.
علماً أنّ المحاسبة في الانتخابات تُعتبر عنصراً أساسياً في الأنظمة الديموقراطية. مع الإشارة إلى أنّ مقدّمة الدستور اللبناني، وفي الفقرة (ج) منه، نَصّت على أنّ لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية. ما يجعل من الثابت أنّ الانتخابات الحُرّة والنزيهة (ولو كانت مُبكرة، نظراً للظروف الاستثنائية)، تبقى الوسيلة الوحيدة لانبثاق السلطة من الشعب، وهي أساس الديموقراطية البرلمانية.
علماً أنّ المجلس الدستوري في لبنان أصدر عدداً من القرارات المبدئية بهذا الخصوص، منها:
– القرار الرقم 1 / 2013 تاريخ 13/5/2013.
– القرار الرقم 7 / 2014 تاريخ 28/11/2014.
إضافة إلى عدد من القرارات الأخرى والمُتفرّقة.
مع التأكيد أنّ كافة هذه القرارات ذهبت في اتّجاه اعتبار أنّ مبدأ ضرورة إجراء الإنتخابات هو مبدأ دستوري، لارتباطه بمبدأ انبثاق السلطة من الشعب، وخضوعها للمحاسبة في الانتخابات.
وبالتالي نسأل:
ما حجّة مَن يُعارض الذهاب إلى انتخابات نيابية مُبكِرة؟ وهل إنّ مُعارضتهم ذلك مُرتبطة بمصالح ومكاسب يَسْعون لتحقيقها، على حساب شعب مقهور وموجوع؟ وهل إنّ الوقت مُلائم اليوم للبحث في قانون انتخابي جديد، أم إدخال تعديلات على القانون الساري المفعول راهناً؟
ألا يقتضي بنا جميعاً سَماع صوت الشعب والسماح له بالتوجّه إلى صناديق الاقتراع، لإسماع صوته، عوض التَنكُّر لِما يُعانيه المواطن من قهر وذلّ ومجاعة؟
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإتّفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية، ومقدّمة الدستور اللبناني، وأوجاع الشعب اللبناني وآلامه…
كلّ ذلك ألا يدفعنا إلى انتخابات نيابية مُبكرة؟
والأهّم من كل ذلك، إنّ رسالتي موجّهة إلى كل مواطن يُعاني وموجوع ومُتألّم، أن يتحمّل مسؤولية خياراته، وأن يُحاسِب مَن أفقَره وشرّد عائلته بين الوطن ودُول الاغتراب. أسأله أن يُحسِن الاختيار، فالمُطالبة بالانتخابات لَنْ يُفيد، ما لم يُتَرجَم ذلك في صناديق الاقتراع.
مُردّداً مع الصحافي والروائي البريطاني «جورج أورويل» (1903-1950): «الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة، لا يُعتبر ضحية بل شريك في الجريمة».
فلا تتحوّلوا إلى شُركاء في الجريمة، وأنتم بالفعل ضحايا هذه الطُغمة الحاكمة. إنتفضوا وأحسِنوا الاختيار. فالخلاص بأيديكم إن قرّرتم، وإلّا لا خلاص لكم، لا حاضراً ولا مستقبلاً ولا بعد دهر الداهرين.