يبدو أن تشكيل الحكومة المتعثر معلّق على رهان 31 تشرين الاول، موعد مغادرة الرئيس ميشال عون المفترضة قصر بعبدا. افتراض المغادرة لا يلغيه تأكيد عون وفريقه أن عون سيغادر ولن يمدد إقامته في القصر، بذريعة عدم تسليم الصلاحيات الرئاسية الى حكومة تصريف الأعمال الباقية ما دام التشكيل لم يحصل. أرسل الرئيس عون عبر بريد الوزير سليم جريصاتي الى السفارات الفاعلة تأكيداً على انه لن يبقى دقيقة واحدة في بعبدا بعد نهاية الولاية الرئاسية، وهو بالتالي ألزم نفسه، بأن يخلي القصر للفراغ اذا تعذّر انتخاب الرئيس الجديد، ذلك على عكس ما كان صرّح به سابقاً بأنه لن يسلم الفراغ، أي بمعنى أوضح، لن يسلّم الا متى انتخب جبران باسيل رئيساً.
وبغض النظر عن مصداقية الالتزام بإخلاء قصر الرئاسة والرئاسة، فإن ورقة مطوية على هامش هذا الالتزام لا تزال موضوعة على الطاولة، كما أن فتوى جريصاتي ستكون حاضرة، في حال لم يتم التوصل الى تشكيل حكومة جديدة، وكل شيء بأوانه العوني، اذ لا تردد عند الحاجة بتكرار تجربة العلاقة العاطفية بين عون والقصر، كما حصلت في العام 1990، وما نتج عنها يومذاك لا يزال ماثلاً في الذاكرة.
وفق هذه المعادلة، تختنق مساعي تشكيل الحكومة بين رهانين. الاول رهان ميقاتي بأن ورقة ترؤسه لحكومة تصريف الاعمال التي ستتسلم الصلاحيات بعد انتهاء الولاية الرئاسية، هي ورقة قوة تفاوضية ستملي على باسيل القبول بالتشكيلة الحكومية التي قدمها ميقاتي مع بعض التعديلات الاسترضائية. هذا الرهان ليس من السهل توقع نجاحه لأن باسيل مطلق اليدين ومغطى بدعم «حزب الله»، وهو يكرر ما تعلمه من استاذه الأول ميشال عون، أي اسلوب جرّ الجميع الى الهاوية، في حال لم تتحقق مطالبه، وكلها مطالب تعني بالنسبة له استمرار امتلاك اوراق القوة بعد خروج عمّه من القصر.
الرهان الثاني بطله باسيل الذي يعرف ان «حزب الله» لن يضغط لتشكيل الحكومة تجاوزاً لمطالبه، وان الحزب ينظر بعين العدالة الى حلفائه على الضفتين، فلا يغلب أحداً على آخر، ولا يكسر أحداً على حساب الآخر، ولهذا لن يمانع الحزب في استمرار عض الأصابع، الى أن يتعب لاعب قبل الآخر، أما اذا استمر اللاعبون بالعناد، فالفراغ الرئاسي والحكومي لن يكون الا مدخلاً للمزيد من إفهام الجميع بأن هذه الصيغة وهذا الدستور لم يعودا صالحين، وبالتالي وجب الجلوس الى طاولة إعادة تركيب دستور وتوازنات جديدة.
من هنا لا تنبئ أروقة «التيار الوطني الحر» بحلحلة قريبة لتشكيل الحكومة. يقول مطلعون على موقف «التيار» إن ميقاتي الذي زار عون مرتين بشكل غير معلن عجز عن تفسير التغيير في تشكيلته الوزارية، فقد سأله عون عن سبب اختيار استبدال وزراء دون آخرين، فأجاب بأن النتائج على الأرض حتمت ضرورة تغييرهم، ولم يقتنع عون، الذي أثار مسألة تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقال لميقاتي: انتم حريصون على علاقات لبنان العربية، ولستم حريصين على علاقات لبنان الدولية، حيث بات الحاكم ملاحقاً في أكثر من دولة اوروبية، ان عدم تغيير سلامة سوف يسبّب مشكلة مع هذه الدول.
وتطرق عون مع ميقاتي الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فاعترض على اقتصار التفاوض عبر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في حين أن هناك لجنة متكاملة يجب ان تقوم بالتفاوض وتطلع عليه، وتحفّظ من جهة ثانية على طلب ميقاتي الاطلاع على سير مفاوضات الترسيم البحري، باعتبار أن التفاوض من صلاحيات رئيس الجمهورية وأن الرئيس ميقاتي هو رئيس حكومة تصريف اعمال.
يشير المطلعون على موقف «التيار» الى أن عون اعتبر ان تشكيلة ميقاتي تفتقد الى التوازن،»فهل هناك حاجة في كل مرة تتشكّل فيها حكومة لنذكر بالتوازن في تشكيلها»؟ واشار الى أن رئيس الجمهورية هو من أقسم على الدستور، وهو مؤتمن على التوازن في تشكيل الحكومة، ولن تتشكل حكومة تفتقد للتوازن الوطني.
يتبين من خلال هذا الاشتباك أن المعركة على تشكيل الحكومة باتت معركة استحقاق رئاسي مبكر.