بدل أن يكون وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج هو المتحدث تطميناً أو تحذيراً أو توضيحاً، فإن المتحدث هو وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وكان ذلك يوم الثلاثاء أول تشرين الثاني حيث كنا جميعنا كأبناء المنطقة العربية ومعنا إيران وتركيا ومعظم الدول الأوروبية وبالذات فرنسا وبريطانيا يغمرنا شعور بالطمأنينة إلى أن صفحة بيضاء في لبنان ستبدأ وستتلاشى بالتدرج تلك الصفحة الرمادية المتمثلة بفراغ رئاسة الجمهورية مِن شاغلها على مدى سنتيْن ونصف السنة.
لم تستوقفنا يومذاك تصريحات تفتقد إلى اللباقة أدلى بها الوزير الروسي ومن دون أن يأخذ في الإعتبار أنه في حديثه يتصرف وكما لو أنه وزير الدفاع السوري. ولو أن الكلام صدر عن الوزيريْن معاً وهما في مؤتمر صحافي لكانت هانت الأمور وإعتبرْنا كلامهما المشترَك طبيعياً بين طرفيْن صديقيْن متعاهديْن حليفيْن. لكن الوزير الروسي تصرف كمَن يريد القول إنه وحده مَن عليه أن يتحدث ما دام هو مَن يقاتل سوريين معترضين.
ما إستوقفنا في تصريحات الوزير الروسي بحضور عدد من كبار الضباط الروس… الروس فقط مع أن الموضوع سوري، قوله «إن حكومات أوروبية رفضت السماح لمجموعة السفن الروسية بقيادة الطرّاد «بطرس الأكبر» كانت قامت الأسبوع الماضي بمسيرة في الجزء الشرعي من المحيط الأطلسي متوجهة إلى البحر الأبيض المتوسط. لكن رفْض بعض الدول الغربية لم ينعكس بأي شكل على مسيرة السفن وأن مجموعتيْ القوات الروسية في حميميم وطرطوس مزودتان كذلك بكل ما يلزم وتتلقى ألفيْ طن من مختلف الشحنات يومياً…» أضاف: «إن مقاتلي المعارضة المدعومين من حكومات غربية يهاجمون المدنيين في مدينة حلب على الرغم من تعليق الضربات الجوية الروسية والسورية، ونتيجة لذلك فإن إحتمالات بدء عملية التفاوض وعودة الهدوء إلى الحياة في سوريا تأجلت إلى أجل غير مسمى. لقد حان الوقت لكي يتخذ زملاؤنا الغربيون قراراً في شأن مَن يقاتلون: الإرهابيون أم روسيا. ربما نسوا مَن كان المسؤول عن قتْل أبرياء في بلجيكا وفرنسا ومصر وفرنسا وأماكن أُخرى. إننا لكي ندمر الإرهابيين في سوريا من الضروري أن نعمل معاً وألاَّ نضع قيوداً على عمل شركائنا لأن المقاتلين يستغلون ذلك لمصلحتهم…».
وزيادة في هذه الإنابة عن سوريا يعقد الجانب الروسي العسكري إجتماع وعلى مستوى رئيس أركان الجيش إجتماعاً في موسكو مع نظيره التركي، للبحث في أمور تتصل بالتصدي الحربي الروسي في حلب وغيرها للمعترضين السوريين، مما يعني أن هذا الروسي ينوب عن السوري صاحب الأرض. وتلك إستهانة مضافة. أين هو رئيس الأركان السوري وكيف لا يكون ثالث الجنراليْن الروسي والتركي ما دام موضوع البحث هو سوريا.
وهذه الإنابة عن النظام السوري في الحديث حول واقع الحال وما هو وارد من خطوات لم تنضج بعد ومن شأن إنجاز التوافق حولها، لا تقتصر على «الصديق الحليف» الروسي وإنما تشمل «الصديق الحليف» الإيراني الذي دوره أرضي بينما دور الروسي على الأرض وفي الجو.
وحول «الصديق الحليف» الثاني إستوقفنا كلام له صفة «البشرى السارة» قاله بعدما كان الروسي إعتبر السلام مؤجَّلاً، «إلى أجل غير مسمى»، يوم السبت 5 تشرين الأول 2016 الرجل الثاني في الحرس الثوري العميد إسماعيل قاآني نائب قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي يدير حرب إيران في سوريا. وفي إحتفال تأبيني للعميد حسين همداني قائد عسكري إيراني ذي شأن في الحرس قال «إن الحرب في سوريا ستنتهي مطلع آذار 2017، لكن ذلك لا يعني إنتهاء الحرب كلياً لأن حربنا صراع وجود وحرب هوية وحرب مصيرية…».
هل إن النظام البشَّاري يدري بهذا التوقَّع الحاسم لنهاية الحرب، وهل أنه إستناداً إلى هذا التوقع بنى قوله إنه باق في الحْكم إلى نهاية ولايته عام 2017 وأنه يستبعد تغييرات سياسية «حتى يرْبح النظام الحرب»، أم أن الأمر موكول، (مرغم أخاك لا بطل) إلى «الصديقيْن الحليفيْن» يقول كل منهما ما يرى قوله. وهما في هذا الشأن يقولان ما يحلو لهما قوله ويخدم مصالحهما.
أعان الله سوريا المغلوب على أمرها.