IMLebanon

هزّة أرضية تواكب الهزّات الأمنية… «يا ربّ ألطف بشعبك»

كأنّ اللبنانيين لم يكن ينقصهم إلّا أن يشعروا بهزّة أرضية حتى تهتزّ أعصابهم ويَغلي الدم في عروقهم، وهم مسمَّرون أمام شاشات التلفزة يتابعون بأسى مراسم تشييع الأبطال شهداء القاع. فأمس وقرابة الرابعة والـ 24 دقيقة بعد الظهر شعرَ سكّان الجبل والساحل، من صيدا إلى بيروت وجزء من الشمال بهزّة أرضية موقعُها بلدة دير القمر.

ثوانٍ معدودة كانت كفيلةً بأن تثيرَ الهلع بين اللبنانيين الذين من الأساس «أعصابُن تلفِت»، نتيجة الأوضاع الأمنية المتفلّتة والتفجيرات المتنقّلة. «حسَّيت بالهزّة؟» كان السؤال الأكثر تداولاً بين اللبنانيين عبر «الواتس آب»، منهم من شعرَ بها «كلّ ثانية بثانيتها»، وآخرون اعتقدوا أنّهم يتوهّمون، أمّا البعض الآخر فلم يَشعر بها من الأساس.

هزّات يومية

فقد سجّلَ المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنّس، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، هزّةً أرضية بقوّة 4 درجات على مقياس «ريختر»، شعرَ بها المواطنون على مساحة واسعة، على رغم أنّها لم تُسبّب أيَّ أضرار تُذكر.

وفي هذا السياق يؤكّد الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة لـ«الجمهورية»، «أنّ الهلعَ الذي أحدثته الهزّة أكبرُ من الحديث عن إمكانية حدوث أيّ ضرَر، لأنّ التداعيات لا تسجَّل إلّا بعد هزّة بقوّة 6 درجات، وذلك بحسب الموقع والمواصفات الهندسية للمبنى والمكان»، مشيراً إلى أنّها «الهزّة الأولى التي تسجَّل بقوّة 4 درجات منذ أيلول العام 2014».

ويوضح: «يقع لبنان في منطقة فوالق زلزالية دائمة الحركة، ناشطة نسبياً، يَنتج عنها هزّات، وعندما ترتفع عن 3 درجات يَشعر المواطنون وكأنّ الأرض تهتزّ تحت أقدامهم. والذي يكون جالساً بلا حركة يَشعر بالهزّة أوّلاً، على عكس من يقود السيارة أو يَصعد الدرج، فيتعذّر عليه الشعور بهزّة بقوة متدنّية».

ويضيف: «نسجّل شهرياً ما يزيد عن 45 إلى 50 هزّة، ولكن بقوّة أقلّ مِن 3 درجات على مقياس «ريختر»، وهذا جزء من النشاط الطبيعي للفوالق الزلزلية»، مطَمئناً «أن لا داعي للقلق ولا سيّما في منطقة الشوف».

وعمّا إذا يمكن التحسّب مسبَقاً لهزّة محتملة، يجيب: «لا يمكن لأحد توقّع حدوث الهزّات، ولا تتوافر إنذارات مسبَقة، نشاط الفوالق الزلزالية في باطن الأرض لا يمكن توقّعه، وفي لبنان غالباً ما تكون الهزّات سطحية، تتراوح على عمق بين كيلومتر و30 كلم».

الاحتياطات الوقائية

بدوره، لا يَستغرب البروفيسور ولسن رزق الخبير الجيولوجي، ما يَشهده لبنان من تحرّكات، نظراً لطبيعته الجيولوجية، «فهو بلد ذو نشاط زلزالي، لوقوعه على ملتقى صفيحتين؛ آسيوية وأفريقية، فالهزّات بطبيعته، وتسجَّل يومياً وإنْ لم نشعر بها، ولحسنِ الحظّ تلك الهزات نادراً ما تتجاوز قوتها الـ 4 درجات، ولا يمكن مقارنتها مع ما قد تشهده أندونيسيا أو اليابان».

أمّا بالنسبة إلى التدابير الوقائية التي ينصح باتّخاذها، فيجيب: «عند وقوع الهزّة، لا يجب أوّلاً التفكير بالخوف، لأنّ ذلك يرتدّ سلباً على صاحبه ويَمنعه من التفكير بأبسط المخارج.

ثانياً، معظم الأهالي يهرعون إلى خارج منازلهم، إلى الدرج، عِلماً أنّ وقت الهزّة يمرّ سريعاً جداً وقد لا يتسنّى لهم الاحتماء خارجاً، لذا أنصح في البحث عن أقرب زاوية في المنزل أو في المكتب، نظراً لوجود ملتقى أعمدة بوسعها تحمُّل أكبر ضرَر ممكن، وفي حال تعذّر وجود زاوية قريبة نظراً إلى أنّ معظم المساحات الرائجة على طريقة «open space»، يمكن الاختباء تحت الطاولة أو أيّ لوح صلب».

ويضيف: «أنصَح من هم في العراء بالبقاء خارجاً من دون التلطّي تحت شجرة أو عامود كهرباء أو لوحة إعلانات… قد تنهار على رؤوسهم، فليبقوا في العراء، تهتزّ الأرض قليلاً تحت أقدامهم ولكن من دون أن يقع شيء على رؤوسهم. أمّا بالنسبة إلى من يقود سيارته وشعرَ بالهزّة، فيفضّل أن لا يغادرها، بل أن يركنَها في مكان ما في العراء محتمياً بسقفِها».

ويذهب رزق أبعد من التدابير الوقائية الفردية، منتقداً طبيعة أبنية «البزار» المنتشرة على نحو عشوائي والتي لا توفّر للسكّان أدنى سلامة العيش، قائلاً: «لا يمكن استهانة طبيعة الأبنية وما يمكن أن توفّرَه من سلامة لقاطنيها، معظم الوحدات السكنية تفتقد لجدران الدعم الكافية وإلى كمّية الحديد الاساسية، فسرعان ما تتأثّر الوحدات السكنية بعامل المطر، فكيف بالحريّ إذا هزّت الأرض قليلاً؟»، مؤكّداً ضرورة «مراعاة العوامل الجيولوجية الخاصة في لبنان والمنطقة خلال البناء».

في وقتٍ لا تبدو الطرقات، الجسور، المنشآت العامة، أفضلَ حالاً من الوحدات السكنية، وفيما يطغى الهمّ الأمنيّ على سواه من الملفّات الحكومية، في بلد «مهزوز» تبقى مقولة «يا ربّ ألطف بشعبك» الحامي الأكبر.