اللبنانيون و”تروما الزلازل”
غفونا على أنباءٍ وتوقعات «باهتزاز البلد على إيقاع سلسلة صدامات سياسية وقضائية زلزالية منتظرة بداية هذا الأسبوع» واستيقظنا والأرض تهتز «طبيعية» تحت أقدامنا. كلنا، نحن الشعب، هتفنا: يا يسوع، يا عدرا، والله وأكبر… وبالفعل، وكأن الرب استجاب وبسط يده وحمى لبنان. أما هم، من يخالون أنفسهم سلاطين الأرض، فما زالوا يعبثون. كيف لا، وهم بلا إحساس. حمانا إلهنا الذي في السماوات العارف «بالبير وغطاه». فالإغاثة في البلد معدومة والطوارئ «عدم» والمستشفيات «عدم» ونحن، على خطّ الزلازل والهزات على اختلاف أنواعها. فهل نقلب الصفحة ونقول: الحمدلله على السلامة أم نسأل مجدداً: هل علينا أن نتوقع قريباً وقريباً جداً زلزالاً قد لا نخرج منه سالمين؟
لم ينم اللبنانيون ليل الأحد الإثنين. ولن يناموا في اليومين المقبلين أيضاً الى حين يتعرضون لصدمة جديدة، «تروما» جديدة، تنسيهم إهتزاز الأرض بهم. هكذا نحن ننتقل من حالة الى حالة ونداوي الهلع بما تيسر من أدوية التوتر والأعصاب، وبأعصاب باتت، لكثرة ما تحملت، هشة.
لا، لا يثق اللبنانيون بقدرتهم على مواجهة النكبات والأزمات البسيطة فكيف إذا كانت زلزالاً يتحرك تحت التضاريس والفيالق؟ لدينا هيئة إدارة للكوارث؟ نضحك من الألم على حالنا وعلى هيئة تستمر بعد 22 عاماً على إنشائها جثة هامدة «فاهتمام من يمسكون برقابنا أكبر من هزة وزلزال».
نعم، خطر الزلازل الطبيعية يحوم فوق لبنان. اللبنانيون في «متاهة». اللبنانيون يعيشون «تروما» الزلازل والهزات اليوم. هم نزلوا الى الطرقات، غامرين فلذات أكبادهم، باحثين، بلا أفق، عن رقعة أمان. صلوا كثيرا. صلوا كما لم يفعلوا منذ عقود. وراحوا يراجعون تاريخ لبنان مع الزلازل والهزات مكررين أسئلة تتلاقى في المعنى وتختلف في الطرح: هل يمكن حدوث زلزال في لبنان؟ ما هو فالق اليمونة؟ هل يمكن أن يحدث تسونامي في لبنان؟ كم من المرات غرقت بيروت؟
مصلحة التعمير
في 16 آذار عام 1956 تعرض لبنان لثلاث هزات ارضية. ومن كان يبلغ حينها من العمر عشرة أعوام بات عمره اليوم 77عاما. هؤلاء، أولاد العقدين الثامن والتاسع، تذكروا ليل أول البارحة يوم اهتزت الأرض تحت أقدامهم نتيجة زلزال شمل ساحل المتوسط الشرقي – لبنان وسوريا وفلسطين- كان مركزه الشوف عند الروافد السفلية لنهر بسري والبقاع وصيدا. يومها سقطت 122 ضحية في 33 قرية ولم يسلم طبعاً قصر بيت الدين ودار المختارة من التصدعات. لم تكن الدولة اللبنانية حينها جاهزة – كما هي اليوم- وأنشئت يومها المصلحة الوطنية للتعمير في لبنان لتعود وتلغى في العام 1977. ألغيت المصلحة وبقيت جباية «رسوم التعمير». بعد 45 عاماً على إلغاء المصلحة التي أنشئت لمواجهة زلزال 1956 ما زالت تجبى رسومها على شكل ضريبة قدرها 3 في المئة على ضريبة الدخل وضريبة الاملاك المبنية وعلى احصنة السيارات وعلى البنزين والمازوت وتذاكر الدخول الى الحفلات والمراهنات في نوادي سباق الخيل وتسجيل الأملاك التي تباع لغير اللبنانيين وتسجيل اللوحات ورسم الإستثمار السنوي على الإعلان إلخ إلخ… وكل تلك الرسوم ما زالت تستوفى حتى الآن لحساب الصندوق الخاص للإسكان. فهل نسأل ماذا عنها؟ دعونا نصلي طالبين رحمة الله وحده.
هل الرب ستر ونجونا من الأعظم؟ وهل الهلع يبقى مجدياً في ظل مسار الحركة الأرضية المستجدة؟
الخبير الجيولوجي ويلسون رزق إنتقل البارحة من قناة الى قناة، ومن إذاعة الى صحيفة الى مجلة، وهو يتحدث عن فالقين يمران في لبنان، من الشمال نحو الجنوب، شرقاً فالق اليمونة الذي يمر في سهل البقاع في محاذاة سلسلة لبنان الغربية، وهناك الفالق البحري، من جهة الغرب، الذي يمرّ في محاذاة الشاطئ اللبناني و… والسؤال: هل الهزة التي شعرنا بها ستتكرر؟ هل علينا أن ننتظر 48 ساعة لنتمكن من القول حقاً: الحمدلله على السلامة؟ هو متفائل: «فاحتمال وقوع الإرتدادات بعد مرور ثلاثين دقيقة على الزلزال يتضاءل».
ها هي هزّة جديدة تضرب لبنان، مصدرها أيضا تركيا. موظفو وزارة العدل أخرجوا بسرعة من مبنى الوزارة القديم خوفا من «الأعظم». موظفو المؤسسات غادروا هم أيضا على عجل ليكونوا بالقرب من عائلاتهم «ويموتون معاً» إذا كان لا بُدّ من الموت. حالة هلع كبيرة. فهل دخلنا في دوامة الهزات الطبيعية؟
لدينا في لبنان مركز وطني للجيوفيزياء، أي لرصد الزلازل، تأسس قبل 48 عاماً، أي في العام 1975، والهدف منه متابعة النشاط الزلزالي عبر 12 محطة موزعة على مختلف الأراضي اللبنانية. مديرة المركز هي مارلين البراكس التي تردد اسمها، في اقل من 24 ساعة، مرات ومرات. هي أطلت لتقول «إن لبنان كان لديه آلة لقياس ارتفاع منسوب البحر بعد حدوث زلزال لكن «البحر أكلها» ولبنان يتكل بذلك على مقياس قبرص». تقول البراكس «لا أحد يمكنه توقع حدوث الهزة حتى قبل ثوان من ذلك» أما الهزات الإرتدادية «فستستمر لكن قوتها ستخف تدريجيا». إذا، لا داعي للهلع بالمنظار اللبناني الجيوفيزيائي بسبب الزلزال في تركيا لكن، تذكروا، أن لبنان يستمر على خط الزلازل!
دولتنا كانت تعرف هنا أيضاً أننا في وجه الهزات والزلازل.
نسي اللبنانيون الدولار والأسعار والقضاء المشظى والفقر والتعتير وحتى انفجار 4 آب ويعيشون تروما الزلازل والهزات. هم لم يناموا ليل الأحد – الإثنين ولن يفعلوا ليل الإثنين- الثلاثاء… فمن يدري ماذا قد يحدث بعد؟
الإستشعار بالهزة
لبنانيون وغير لبنانيين توجهوا الى تغريدات الخبير الهولندي فرانك هوغربيتس الذي توقع قبل يومين «حدوث نشاط زلزالي بين 4 و6 شباط». متابعوه تضاعفوا. الناس ترجوه مزيداً من التفاصيل وهو علق بعد الهزة الإرتدادية ظهر البارحة: «ستستمر الهزات في المنطقة لبعض الوقت، معظمها من اربع الى خمس درجات، لكن من الممكن حدوث هزّة أقوى». هو لم يكتفِ بذلك بل قال: «كما ذكرت سابقاً، سيحدث هذا عاجلاً ام آجلاً، على غرار عامي 115 و526». إحداهن سألته عن لبنان: نحن خائفون من تسونامي؟ أجابها «يحدث تسونامي عادة بعد وقت قصير من وقوع الزلزال وليس بعد ساعات». لم يُطمئننا الخبير الهولندي. فهل لبنان إتخذ بعض الإجراءات الوقائية، من خلال «خلية أزمة» قادرة أن تتدخل إذا وقع ما هو في الحسبان؟
اللواء خير
أمين عام الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير سألنا حين سألناه عن الجهوزية: «هل سمعتم بأحد يحتاج الى إغاثة؟» واستطرد «المطلوب حالياً الجهوزية وذلك من خلال المؤسسات التي تقدم الخدمات الإجتماعية والأمور التقنية والدفاع المدني والصليب الأحمر ووحدات الإسعاف والبلديات. ونحن، يمكننا إذا احتجنا الى رافعات الحصول عليها فوراً».
ماذا عن فعالية الهيئة العليا وهيئة إدارة الكوارث؟ يجيب خير «لا يمكننا إنكار أن إمكانيات الدولة متدنية والأعمال تجري اليوم من خلال إحصاء ضمن كل بلدية، يرفع الى وزير الداخلية، الذي يرفعه الى مجلس الوزراء… والله يلطف بنا جميعا».
الكل الكل في لبنان «يتمنى ألا تحصل كارثة في البلد» وهم العالمون أننا على فيالق زلازل. من زمان يحدثوننا عن «الخطر الآتي» ويُمعنون في غضّ النظر.
أسماء علماء جيولوجيا عادت وتربعت، في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، على عرش الأخبار في البلد. ولم يعد يهم أي شيء آخر. مجدي سعد، الخبير في علوم الفضاء، تقدم هو أيضاً في الأخبار «إنهم يتهربون حين يقولون إننا لا نستطيع توقع الزلازل. عالمياً يستطيعون. هناك مساع يفترض إتخاذها للخروج بمعطيات. هنا لا مساعي لذلك لا معطيات».
فلننتظر اليوم وغداً. وإذا أعطانا الله العمر سننسى أن الأرض اهتزت تحت أقدامنا وسنعود مجدداً الى هزات البدن الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والقضائية. لكن، فلنتذكر هذه المرة جدياً أننا «طبيعيا» في عين خطر الزلازل الشديد. كلهم يقولون: لا نعرف؟ نعم، إنهم لا يعرفون متى تحصل الكارثة لكنها لا بُدّ حاصلة. اليوم، غداً، بعد عشر سنوات؟ عشرين سنة؟ مئة؟ نحن نعيش على نار خامدة تحت الرماد. فلنصلِ كثيراً في بلدٍ لا يرى مسؤولوه أكثر من حدود أنوفهم.