Site icon IMLebanon

على عتبة عيد الفصح المجيد بيض العيد “مفقوس”

 

هل تصمد العادات في حلبة الأسعار؟

 

كراتين البيض التي كانت ترافق عيد الفصح «زمّت» وصغرت كمّاً وحجماً، وما عادت الكرتونة الثلاثينية تتربع إلا في بيوت العائلات التي تضم أطفالاً صغاراً. فالأولاد «يكسرون الرأس « ومهما بلغت شدة الضيق يتفوق الأهل على أنفسهم لتأمين متطلبات العيد لهم والحفاظ على تلك التقاليد الحلوة التي تفرح قلوبهم. أما عند العائلات الأخرى فـ»»ميكرو» كرتونة» من ست بيضات بركة العيد تفي بالغرض وتفيض. ماذا تبقّى من عادات الفصح هذا العام وكيف استطاعت الصمود في حلبة الأسعار الجنونية؟

 

مؤسف كيف تزول عاداتنا الحلوة رغماً عنا وتتخذ وجوهاً ممسوخة ما كنا نظن يوماً أننا سنراها. نتشبث ببقايا تقاليد رسّخت حضورها في مواجهة كل التغيرات الاجتماعية لتأتي الأزمة الاقتصادية وتوجّه لها ضربة حاسمة، ونسترق ما يشبه الفرحة ولو من دون نفْس لنشعر بأننا ما زلنا أحياء في وطن تطبق مآسيه وأخبار انتخاباته على أنفاسنا. عيد الفصح هذا العام مختصر بمظاهره رغم حاجتنا الملحة الى التشبث بمعنى القيامة نحن الذين نجر صليبنا منذ سنوات…

المفاقسة ممنوعة

 

بين ثمانين ومئة ألف ليرة يتراوح سعر كرتونة البيض في المحلات وقد تتجاوز هذا السعر مع اقتراب عيد الفصح. عند أصحاب المزارع لا يشكل العيد موسماً كبيراً لأنه يقتصر على يوم واحد (وإن كان في الواقع مكرراً) ويؤكد أحد هؤلاء أن شهر رمضان هذه السنة لم يشهد طلباً كبيراً على البيض كما جرت العادة في السنين الماضية ما جعل البيض يتراكم في المزارع نتيجة قلة الاستهلاك.

 

على فايسبوك صفحة تحمل عنوان «سعر البيض بلبنان» اتصلنا بالقيم عليها فإذا هو سوري اللهجة يدير مزرعة للدجاج في البقاع كشف لنا عن خفايا بورصة البيض في السوق. فالصندوق المكون من 12 كرتونة كان يباع بالجملة بـ 35$ ولكن مع قلة الانتاج قد يصل سعره الى 70$. وما لا يتنبه إليه المستهلكون أن سعر الكرتونة يختلف بحسب وزنها وحجم البيض فيها حيث يمكن أن يكون الوزن بحده الأدنى 1700غ وقد يصل الى 2000غ كحد أقصى وهذا ما يبرر اختلاف السعر بين محل وآخر وبين بيضة حرزانة وأخرى ضعيفة.

 

ويؤكد الشخص نفسه أن استهلاك البيض قد تراجع كثيراً في لبنان فبعد أن كان مأكل الفقراء باتوا يمتنعون عن شرائه وكأن هناك عاملاً نفسياً يمنعهم من تقبل سعره المرتفع فيحجمون عنه رغم كونه سلعة غذائية أساسية. وقد أدى ارتفاع كلفة انتاج البيض وقلة استهلاكه الى انخفاض الانتاج بحيث بات عدد كبير من مزارع الدجاج لا يعمل إلا بطاقته الدنيا أو أحجم عن تربية الدجاج لا سيما أن المزارع الصغرى غير قادرة على منافسة المزارع الكبرى بإمكاناتها المادية. عاملان أساسيان أديا الى ارتفاع سعر هذه السلعة، الأول ارتفاع سعر الدولار وبالتالي زيادة الكلفة على الانتاج بدءاً من العلف وصولاً الى التدفئة والنقل، والثاني هو توقف تهريب البيض من سوريا الى لبنان. حيث كان البيض المنتج في سوريا يصل الى لبنان بأسعار مخفضة تنافس أسعار الانتاج المحلي، أما اليوم فقد تغير الوضع ووصلت كلفة صندوق البيض في سوريا الى ما يقارب 33$ وصار السعر شبيهاً بسعر السوق اللبناني. ويبدو أن وضع « البيض « في لبنان مستمر بالتأزم طالما الطلب قليل والانتاج الى تراجع والدولار الى ارتفاع.

 

الأمر ذاته يؤكده أحد أصحاب المزارع في الصفرا فيقول ان «بيع البيض بالجملة انخفض ما بين 30 و40% فهو كان يبيع في اليوم الواحد 10 صناديق تراجعت اليوم الى 3 او 4 صناديق». بعيداً عن الأرقام وتعقيداتها تؤكد كلير وهي أم لثلاثة أطفال أنها لن تغير عادات العيد من أجل بضعة آلاف وتقول «لقد حرمونا من كل شيء فأقله أن نفرح قلوب أطفالنا بالممكن. كرتونة بيض لن تكسرنا. بدنا نلون البيض وبدنا نفاقس وما بدنا حدا يفقسنا».

 

ربات البيوت اللواتي كنّ يلونّ البيض ويتركنه للزينة في البيت حتى يفسد سوف يتحسّبن للأمر اليوم ويسارعن الى استهلاك البيض الملون وإعداد وصفات منه قبل أن تفوح رائحة فساده حتى لا يضيع ثمنه هباء. فكل تبذير اليوم في غير محله ولا للمبالغة في عدد البيض الملون كما تقول ميرنا «لكل فرد بيضة، على العدد فقط».

صيصان تغيب

 

إذا كان تلوين البيض والمفاقسة تقليداً لا غنى عنه في العيد فثمة مظاهر متعددة كانت ترافق العيد تغيب هذه السنة. الصيصان الملونة التي تباع على الطرقات لتكون فرحة للصغار رغم صرخات الاستهجان من أصدقاء البيئة وحماة الحيوان، لم تظهر بعد ريشاتها الملونة على الطرقات وفي باحات الكنائس. ويبدو أن هذه الصيصان هي في الواقع ذكور الدجاج، هي ديوك صغيرة لا فائدة ترجى منها «على كبر» لذا يقوم أصحاب المزارع عادة بالتخلص منها (على ذمة الراوي) وتباع في العيد بعد أن ترش بألوان زاهية مؤذية. ولكن يبدو أن ديوك الوطن الكبيرة لم تترك لصغار الديوك مكاناً…

 

كذلك تغيب زينة البيوت الخاصة بالفصح التي كانت قد بدأت تتحول الى عادة استهلاكية لبنانية منذ بضع سنوات فالناس الذين بالكاد جددوا زينة الميلاد لا يبدون مستعدين لشراء اية زينة للفصح وهذا ما تشير إليه بوضوح واجهات المحلات والمولات التي تزينت او عرضت زينة خجولة جداً. كما تغيب وفق ما يقول لنداء الوطن فادي أبي عاد صاحب محمصة ومحل لبيع الشوكولا والحلوى الـArrangements الخاصة بالعيد التي كانت تضم في سلالها بيض الشوكولا بأحجامه المختلفة وبعض أنواع المشروب وأنواعاً من الملبن المختلفة وذلك لأن تبادل زيارات المعايدة يكاد ينتفي في لبنان مع أزمتي كورونا والأزمة الاقتصادية. ويؤكد انه في الماضي كان يبدأ بتحضير السلال قبل حوالى شهر من العيد ليؤمن كل الطلبات التي تبلغ المئات اما اليوم فلا يتوقع أن يبيع أكثر من خمس الى عشر سلال. فالناس اليوم يفتشون عن هدية عملية وغير مكلفة هذا في حال أصروا على زيارة قريب.

 

أسعار بيض الشوكولا تختلف باختلاف نوعيته وتتراوح بين 250000 للوطني وصولاً الى600000 او 700000 للبلجيكي وقد يرتفع السعر أكثر إذا كان صاحب المتجر قادراً على إضافة نسبة أعلى من الأرباح على فئة معينة من الزبائن الذين لا يسألون عن السعر ولا يزالون قادرين على شراء الشوكولا بالدولار. لا شك أن تقليد شراء بيض العيد لن يختفي ولكن الكمية هي التي ستتغير يؤكد أبي عاد وبعض من كانوا يشترون بالكيلو سيشترون هذا العام «بالوقية» او بالعدد…والأمر ذاته ينطبق على معمول العيد الذي لن يغيب حكماً بل ستنزل كمياته. «بت لا أحب البيع بالمفرق يقول ابي عاد لأنني أخجل من الأرقام وأخشى ان «ينقز» الزبون متى سمع الرقم، لكن كلفة البضاعة باتت تفرض هذه الأسعار وإن كنا نقوم بالمستحيل للحد من ربحنا حتى تبقى أسعارنا في متناول الناس» كثر من الزبائن المعتادين غابوا ولم تعد المتاجر ترى صورة وجههم، فالمعمول والشوكولا من الكماليات وازداد الأمر تأزماً مع غياب بطاقات الإئتمان وعدم قبول المحلات لها فغاب معها مستخدموها غير القادرين على الدفع كاش.

 

وحدها الأرانب والأجراس والدجاجات والبيوض الكبيرة المصنوعة من الشوكولا ستجد لها مكاناً على رفوف المحلات والسوبرماركات لإسعاد الأطفال بأسعار مقبولة وذلك لأن هذه القطع غالباً ما تتم صناعتها من أدنى نوعيات الشوكولا التي لا تكلف كثيراً. وثمة حملة حاليا انتشرت على مواقع التواصل لمجافاة ارنب العيد البعيد عن التقاليد او المعاني المسيحية والذي يرمز الى التزاوج والتكاثر والعودة الى الرموز التي تحمل معنى التجدد مثل البيضة والدجاجة وجرس العيد…

أصحاب محلات الشوكولا والباتسيري في أزمة مثلهم مثل الناس وعيد الفصح موسمه قصير على خلاف عيد الميلاد وبيع الشوكولا فيه محدود بسبب حرارة الطقس والمعمول وإن يكن تقليداً لا غنى عنه يعدّ في البيوت رغم ارتفاع كلفته، لكن بما ان الله لا يبلي حتى يعين فقد فتح لهؤلاء طاقة أمل مع اقتراب الانتخابات وبدأت الأحزاب واللوائح المسيحية الكبرى تشتري المعمول والشوكولا وتوزعه على الناخبين «بركة عيد» لا رشوة انتخابية. فهل تكون الانتخابات المقبلة قيامة للبنان تعيد إليه عاداته وأعياده؟