كل المؤشرات تدل على تطورات عسكرية مفتوحة على الحدود الشرقية للبنان، لكن وقع الارتدادات الداخلية قد يكون اكبر مما يمكن توقعه من معركة غير مضمونة النتائج
لماذا يجب التحوط داخلياً من انفجار الوضع العسكري من الحدود الشرقية الجنوبية الى الشرقية الشمالية؟
تدل الاحداث الامنية على الحدود اللبنانية ــــ السورية، والاشتباكات المستمرة بين الجيش اللبناني ومسلحي التنظيمات الاصولية، وتدحرج التطورات العسكرية في سوريا والعراق، والاستعدادات لبدء الحملة البرية على تنظيم «داعش»، على ان الخطر الامني يقترب بسرعة من حدود لبنان الشرقية.
وعملية استهداف اسرائيل لمجموعة من حزب الله في الجولان ومعها جنرال ايراني، وما اعقبها من رد للحزب على اسرائيل، لا يمكن طيهما ببساطة، ولا اعتبارهما حادثين منفصلين عن مسار التطورات العسكرية التي تجري على مقربة من حدود لبنان الشرقية.
فالضربة الاسرائيلية، بالمفهوم العسكري، اتت ردا على دخول ايران الى منطقة تماس تعدها اسرائيل محظورة عليها، وترى في اقتراب ايران وحزب الله من هذه النقطة الاستراتيجية خرقاً عسكرياً لأمنها، لان ايران تريد فتح خط عسكري مباشر من العراق الى لبنان عبر سوريا، والإطباق على كامل حدود التماس مع اسرائيل.
الرسالة الاسرائيلية حاولت ابعاد ايران عسكرياً عن الجولان، كما تحاول ابعادها سياسياً عن المنطقة، بحسب ما يحاول رئيس الوزراء الاسرائيلي توجيه رسالة اعتراض قوية على الحوار الاميركي ــــ الايراني من قلب العاصمة الاميركية.
الا ان رد حزب الله في شبعا، ارسل بدوره اشارتين، الاولى انه لا ينوي التخلي عن تلك المنطقة المثلثة الاضلاع التي تمثل نقطة تقاطع استراتيجي وخصوصاً بعد تمدد «جبهة النصرة» فيها، والثانية هي انه ابعد كليا منطقة الجنوب اللبناني، الخاضعة لأحكام القرار الدولي الرقم 1701، عن خطر الاشتباك الاقليمي. والتأكيدات السياسية التي صدرت من الطرفين الشيعيين في لبنان، حزب الله والرئيس نبيه بري، ومن المراجع الدولية، اعطت غطاء عملانيا للقرار الدولي، وزادت في تحصينه، ما جعل الجنوب في الوقت الراهن منطقة آمنة وخارج التوتر الاقليمي.
الحدود الشرقية مرشحة لتطورات عسكرية مفتوحة
لكن اخراج الجنوب من معادلة الاشتباك نقل الخطر الى الحدود الشرقية وجعلها في خطر حتمي نتيجة عاملين، اسرائيلي وهو خطر لم يعد مجرد لازمة سياسية تتكرر، بل ارتفعت نسبته اخيرا، والضغط العسكري لـ «داعش» و»النصرة» على لبنان برفع غطاء اسرائيلي.
فالجبهات الاصولية تحاول الوصول بأي ثمن الى دمشق، من جهة الجنوب السوري، ومن جهة المناطق اللبنانية المقابلة لها، لفتح ثغرة في مسار الحرب السورية، ما يفسر كثافة العمليات الاخيرة براً ولا سيما في المناطق التي تقع قبالة العمق اللبناني السني، والقصف الذي استهدف دمشق من الغوطة الشرقية الاسبوع الفائت. في المقابل، تريد ايران وحزب الله القبض على جبال القلمون والسيطرة عليها، كما انها لا تريد فقط منع اي خرق للحدود الشرقية الجنوبية من جانب اسرائيل او التنظيمات الاصولية، بل أيضا إحكام القبضة على هذه المنطقة الجغرافية الاستراتيجية.
لكن معركة بحجم معركة القلمون وتنظيفها، مع الاستعداد لمعركة الحدود الشرقية الجنوبية، ليست امرا سهلا ولا يمكن التكهن لا بمدتها ولا بحجم الثقل العسكري الذي سترتبه على حزب الله، علما ان هذه الاطراف لم تتمكن بعد من اقفال كل الثغر العسكرية على اختلاف الجبهات المعنية، شمالا من جهة حمص، ووسطا من جهة الزبداني وعسال الورد، وجنوبا من جهة الجولان.
وخطورة معركة القلمون التي يحشد لها حزب الله بقوة، كما ايران والنظام السوري، ليست فقط بحجم المعركة، بل بنتائجها غير المضمونة، وتعني ايضا احتمال خروج المسلحين وارتدادهم الى لبنان. وهنا، ينتقل مستوى الخطر الى الدخل اللبناني، لانه يضع الجيش اللبناني والسلطة السياسية امام تحديات من نوع آخر:
اولاً، قدرة الجيش اللبناني على مواجهة تدفق المسلحين الذين قد يرتدّون الى لبنان، ووقف هجماتهم، في وقت لا يزال فيه منذ معركة عرسال على تأهبه العسكري، اذ يسعى المسلحون منذ ذلك الوقت الى الضغط عليه تكرارا امعانا في استنزافه، علما انه يجب الاخذ في الاعتبار قدرة الجيش العسكرية من آليات وتقنيات وعناصر غير مجهزة لمعارك طويلة الامد، كما يحصل منذ سبعة اشهر حتى الآن، اضافة الى أن اي دور للجيش في معركة قد يجر اليها ولو ضد مسلحي «داعش» و»النصرة»، سيرتد عليه داخليا من جانب الاطراف المعادية لحزب الله واتهامه بالوقوف الى جانب الحزب في المعارك الحدودية.
ثانياً، قدرة الحكومة اللبنانية على التعاطي مع مستوى الخطر الآتي، بعيدا عن الادبيات المعتادة. والجميع يذكر انه في عام 2012، وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان لا يزال في سدة الرئاسة، طرح موضوع معبر المصنع، بعدما اقدم «الجيش الحر»، وكان آنذاك لا يزال ممسكا بالامرة العسكرية للمعارضين السوريين، على احكام سيطرته على معابر بين سوريا وتركيا وسوريا والعراق. حينها طرحت اسئلة عن كيفية تعامل لبنان مع احتمال وصول المعارضة الى المصنع وهل يمكن للبنان ان يقفل المعبر وسط التباينات السياسية داخل الحكم. بعد ثلاثة اعوام يطرح السؤال نفسه، في ضوء كثافة المتغيرات التي حصلت، وحلول التنظيمات الاصولية محل «الجيش الحر». فالمنطقة المحيطة بالمصنع معادية في شكل كامل للنظام السوري، ما يخشى معه ان تترك اي تطورات ميدانية في هذه المنطقة ارتدادات غير حميدة. فهل يمكن للحكومة الحالية، بالاداء الذي ظهرت به حتى الآن، ان تواكب حدثا كبيرا من هذا النوع، وهي لم تتمكن من التعامل بجدية وحزم مع موضوع النازحين السوريين، ما حوّل البعض منهم قنابل متنقلة، والبعض الاخر مشكلة اجتماعية يتعذر حلها.
ثالثاً، دور القوى السياسية التقليدية في مواجهة خطر هذه التنظيمات الاصولية على الحدود اللبنانية، بعدما بدأ معارضون لحزب الله يحذرون من مغبة اي عمل على الحدود الشرقية. فعملية شبعا فتحت النار السياسية على حزب الله، لكن الى اي مدى يمكن لمعركة حدودية ضد «داعش» و»النصرة»، ان تترك تداعيات على الحوارات الجارية وعلى وضع حزب الله داخليا. علما ان الحزب سيزيد من تطميناته الداخلية في هذه المرحلة، حرصا منه على حماية ظهره، لأن لديه اليوم اولويات مختلفة.