هناك الجانب السهل في القمة العربية. وهناك الجانب الصعب فيها. إذا وضعنا جانباً أنّ القمة، التي يستضيفها البحر الميّت، تمثل انتصاراً كبيراً للأردن بعدما استطاع الملك عبدالله الثاني تأمين حضور كبير للزعماء العرب، بمن في ذلك الملك محمّد السادس، الذي قلّما يحضر مثل هذا النوع من القمم، فإن السهل سيكون الاتفاق في شأن كلّ ما له علاقة بالقضية الفلسطينية.
لم يسبق لقمّة عربية أن جمعت كلّ هذا العدد من الزعماء العرب منذ فترة طويلة. لن يتغيّب سوى الزعماء الذين لديهم أسباب صحّية تحول دون حضورهم مثل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد والسلطان قابوس والرئيس عبد العزيز بوتفليقة. الأكيد أن العاهل الأردني بذل جهوداً مضنية للوصول الى ضمان هذا المستوى من الحضور، لكن ذلك لا يمنع الاعتراف بأنّه يبقى هناك الجانب الصعب في القمّة.
يتمثّل الجانب الصعب في المواضيع المتعلّقة بإيران ومشروعها التوسّعي المرتكز على إثارة الغرائز المذهبية وعلى الأدوار التي تقوم بها الميليشيات التابعة لها. ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً مواقف دول مثل العراق والجزائر ولبنان الذي يجد نفسه في وضع لا يُحسد عليه.
هل يمكن للقمة اتخاذ موقف واضح من التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية؟ ثمّة من يعتقد أن ذلك ممكن وأن تحفّظ العراق والجزائر، وربّما لبنان، لا ينفي وجود أكثرية عربية تعي تماماً ماذا يعني أن تكون هناك ميليشيات مذهبية تابعة لإيران تعمل على تمزيق العراق وسوريا ولبنان واليمن وتهدّد البحرين.
سيجد الزعماء العرب صيغاً لتجاوز الخلاف في شأن التدخلات الإيرانية والحرب على الإرهاب. فالجميع في البحر الميّت يدين الإرهاب. ولكن مَن الذي يُمارس الإرهاب في المنطقة؟ هل «داعش» تنظيم إرهابي يمكن محاربته بواسطة «الحشد الشعبي» الذي يتكوّن من مجموعة ميليشيات تابعة لأحزاب عراقية من نوع معيّن تجمع بينها التبعية لإيران؟
الواضح أن هناك تفاهماً في شأن سوريا واليمن. لا حلّ عسكرياً في سوريا التي تتنافس فيها كلّ القوى الإقليمية والدولية، فيما المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن لا تزال تشكّل أسساً لتسوية في اليمن حيث استطاعت «عاصفة الحزم» وضع حدّ للمشروع الإيراني. لكنّ الواضح أيضاً أنّ دول الخليج العربي لن تتهاون حيال كلّ ما من شأنه الحؤول دون الخروج بموقف لا لبس فيه تجاه الممارسات الإيرانية التي توفّر حاضنة لـ«داعش» وما شابه «داعش».
نجحت القمة التي استضافها الأردن قبل أن تبدأ. سيكون هناك، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، أخذ وردّ بين العرب في أجواء شبه معقولة، وبحث في قضايا كان هناك دائماً من يريد تفادي البحث فيها لسبب أو لآخر. ستكون هناك مصالحات، حتّى لو لم يستطع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التزام تعهداته العربية، خصوصاً تجاه دول الخليج. في النهاية، سيظلّ السؤال المطروح مَن أقوى من الآخر في العراق؟ هل العبادي أقوى من «الحشد الشعبي» الذي صار مؤسسة شرعية معترفاً بها، كما صار صاحب الكلمة الفصل في هذا البلد؟
ما سيزيد من نجاح القمة، التي يستضيفها الأردن، رفض القبول بقرارات الحدّ الأدنى من أجل المحافظة على نوع من التضامن العربي. لا معنى لأيّ تضامن عربي حقيقي من دون اتفاقات وتفاهمات في العمق تشمل كلّ أنواع الإرهاب وليس إرهاب «داعش» وحده. سيحصل ذلك حتّى لو لم يتوفّر له إجماع.
معروف تماماً أنّ هناك تحالفاً دولياً سيجتثّ «داعش». ولكن ماذا إذا كانت معركة الموصل ستنتهي غداً ليتبيّن أن لدى «داعش» وأخوته قدرة على الانتقال الى مكان آخر. ماذا إذا تبيّن أن ممارسات «الحشد الشعبي» في الموصل ستزيد من حال الاحتقان المذهبي بين السنّة والشيعة في العراق؟
مرّة أخرى، سيكون من السهل حصول تفاهم عربي في شأن القضيّة الفلسطينية. هذا سيساعد الى حدّ كبير في التأثير على مواقف الإدارة الأميركية الجديدة، التي لا تزال في مرحلة بلورة سياساتها الشرق الأوسطية والخليجية.
في المقابل، سيظلّ صعباً إيجاد موقف موحّد من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يُشكّل حالياً خطراً على كلّ المجتمعات العربية نظراً الى اعتماده على الميليشيات المذهبية أوّلاً وأخيرأ.
المفيد أنّ مجموعة من العرب قرّرت مواجهة الواقع بدل الالتفاف عليه. هناك مصالحة مع الواقع دفع في اتجاهها بلد اسمه الأردن يعرف الملك فيه تماماً أن في العالم حالياً مراكز قوى عدّة. مَن يبحث عن دليل على ذلك يستطيع التساؤل لماذا بقي هناك حدّ أدنى من الهدوء في الجنوب السوري ذي الكثافة السكّانية؟ أليس ذلك عائداً الى الدور الذي لعبه الأردن على صعيدين؟
الصعيد الأوّل إقناع عبدالله الثاني الرئيس فلاديمير بوتين بتفادي التصعيد في تلك المنطقة (حوران ومحيطها) التي فيها نحو سبعة ملايين سوري والتي يؤثر الوضع فيها مباشرة على الوضع الأردني. أمّا الصعيد الآخر، فيتمثّل في نجاح الأردن في إقامة منطقة عازلة بفضل قوات من المعارضة السورية المعتدلة والعشائر.
يفرّق الأردن بين ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. لذلك يمكن القول إن قمّة البحر الميت لم تنجح كلّياً في إحياء التضامن العربي، لكنّها نجحت في طرح القضايا الخلافية في أجواء من الشفافية تعكس رغبة لدى معظم العرب في أن لا يكونوا على هامش الأحداث الدائرة في المنطقة والعالم، بما في ذلك الاجتماعات التي تجري في آستانة حيث الأردن، مثله مثل الولايات المتحدة في دور المراقب، فيما الموضوع السوري يُناقش بين روسيا وإيران وتركيا. أليس دور المراقب أفضل من الغياب العربي التام!