IMLebanon

عهد التنصّت… والتنصّل “بعبدا غيت”

 

حين أُطيح بالعميد سليم الفغالي، قائد لواء الحرس الجمهوري، والضابط «اللصيق» بالعماد ميشال عون، والذي أنقذته العناية الإلهية في 13 تشرين الأول 1990، بعد فشل إعدامه على يد السوريين، نُسِجَت أقاويل وأساطير حول أسباب «الإطاحة»، ومنها اتهامه (زوراً طبعاً، كما بيّنت التحقيقات)، بأنّه زرع أجهزة تنصّت في مكتب الرئيس وفي منزله في القصر، ليتبيَّن لاحقاً أن لا أجهزة تنصّت ولا مَن يزرعون أجهزة، وكل ما في الأمر أنّ «عائلة الرئيس» أقوى من قائد لواء الحرس، فدفع العميد سليم الفغالي الثمن، وأُبعِد من القصر الجمهوري إلى وزارة الدفاع.

 

اليوم، بعد انتهاء العهد، يكشف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «أنا عارف أنّ هناك ميكروفونات محيطة بمكتب الرئيس وموجودة وعم تسجل ليسمعوها اللي برا، أنا متأكد أنّ في مكتب الرئيس هناك ميكروفونات حتى يسمعوها ويشوفها وزير الظل».

 

لم ينفِ «السيِّد» السابق للعهد العماد ميشال عون هذه الواقعة، ولا «المتنصِّتون»، ولا مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير. مرَّت الفضيحة وكأنّها عبارة عن أمر عادي، ولم يخطر في بالِ أحد أنّ هذا التنصت هو انتهاك صارخ لأسرار الدولة العليا، فمَن يعرف في أي يد ستقع «محاضر التنصت» خصوصاً بالنسبة إلى الاجتماعات «الاستراتيجية» وليس «لقاءات منح الأوسمة».

 

مسألة التنصّت في عهد الرئيس ميشال عون ليست تفصيلاً على الإطلاق، وُضِعَت تقارير التنصت في خدمة «الحاشية السياسية» و»حاشية التيار». ففي كثيرٍ من الأحيان كان رئيس «التيار» جبران باسيل يُدلي بتصريح يُستشَف منه أنّ «معلومات» التصريح مأخوذة من «تقرير تنصت»، وإذا لم تُسعِف تقارير التنصت، فإنّ «كتبة التقارير» الذين «زرعهم» باسيل في القصر، ومنهم مَن كانوا يحضرون بعض الاجتماعات، كانوا يملأون فراغ تقارير التنصت.

 

والواقع أن الرئيس السابق ميشال عون كان «مهجوساً» بالتنصّت، أعطى تعليماته بفتحِ تحقيق بعد تسريب وصفِه للرئيس سعد الحريري بالـ»كذاب»، أمام رئيس الحكومة السابق حسان دياب، بعدما لم ينجح في التنصّل مما قاله.

 

قضايا التنصت في العالم تهز عروشاً وتُسقِط رؤساء. فمنذ أربعين عاماً، هزَّت قضية تنصّت الولايات المتحدة الأميركية، والتي عُرِفت بقضية «ووترغيت»، وأدت إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون: قُبض على خمسة أعضاء في الحزب الجمهوري في مقر اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي بمجمع «ووترغيت» للفنادق والمكاتب في العاصمة واشنطن. كان الرجال الخمسة، الذين ادّعوا أنّهم سبّاكون، يركّبون معدات للتصوير الفوتوغرافي وللتسجيل للتنصّت على الديمقراطيين. صباح اليوم التالي، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» على صفحتها الأولى خبر الاقتحام الذي وقع خلال حملة إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون.

 

كان كاتبا التقرير صحافيين شابين، هما بوب وودورد وكارل بيرنشتاين، كشف وودورد وبيرنشتاين عن فضيحة تجسّس وتخريب سياسي واسعة النطاق يقودها الرئيس نيكسون، الذي كان يسعى لإعادة انتخابه. بيّن الصحافيان كيف اختُلست مئات الآلاف من الدولارات من التبرعات لحملة نيكسون من أجل تمويل حملة سريّة تزعزع استقرار المعسكر الديمقراطي بهدف إفشال مرشّحه للانتخابات.

 

كأنّ التاريخ يعيد نفسه ولكن في لبنان وليس في أميركا، والتنصّت يُزرَع في «المقر الرئاسي الذي كان في خدمة رئيس التيار»، خدمة لـ»نيكسون الصهر» باعتبار أنّ ظروفاً عدة لا تسمح بالتمديد للعماد عون. لكن في واشنطن، الفضيحة زلزلت الإنتخابات الأميركية، وأدّت إلى استقالة نيكسون، ولو بعد حين، إذ اضطرّ إلى الاستقالة في عام 1974، بعد زيارة وفد من رجال الكونغرس الجمهوريين، بقيادة باري غولدووتر، أبلغوه فيها أنّه سيُعزل ما لم يستقل.

 

أمّا في لبنان فإن الفضيحة تمر مرور الكرام: لا مَن يستقيلون ولا مَن يعلِّقون، ولا حتى مَن ينفون الواقعة، كأن التنصّت «لزوم ما يلزم».