لقيَ توقيعُ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرسومَ الرئاسيَّ القاضي برفع حظر تزويد إيران بمنظومة «أس 300» الصاروخية المضادة للطائرات، أصداءً واسعةً في الدوائر السياسية والعسكرية في العالم.
لا شكّ في أنّ توقيت قرار موسكو رفعَ حظر تزويد إيران بمنظومات صاروخية متطوّرة له دلالاتٌ عدّة في ظلّ ما تشهَده المنطقة من صراع نفوذ بين القوى الإقليمية والدولية من جهة، كما وأنّه لا بدّ أن يلقيَ بظلاله على مفاوضات الاتفاق النهائي بين طهران ومجموعة (5+1) من جهة أخرى.
ففي الوقت الذي رحّبَت فيه طهران بالخطوة الروسية واعتبَرتها تجسيداً لإرادة موسكو السياسية ودليلاً على نيّة الدولتين تطويرَ وتوسيع التعاون الثنائي على كلّ المستويات، انهالت الانتقادات من العواصم الغربية، وفي مقدّمها واشنطن. لكنّ المواقف الأكثر حدّة جاءَت من تل أبيب التي اعتبرَت أنّ امتلاك إيران هذه المنظومة يشَكّل تهديداً مباشَراً لأمنها وأمن المنطقة برُمّتها.
وعلى رغم محاولات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التخفيفَ مِن أهمّية هذا القرار وتأكيده أنّ هذه المنظومة ذات طابع دفاعي وغير مخصّصة للهجوم، وأنّها لا تشكّل خطراً على أيّ دولة في المنطقة بما فيها إسرائيل، وأنّ رفعَ الحظر يصبّ في الأساس لدفع المفاوضات بين طهران والمجموعة الدولية في اتّجاه توقيع الاتّفاق النهائي، إلّا أنّ ذلك لم يمنَع بعض الأطراف من قراءة هذا القرار إلّا في سياق تصعيديّ.
مصادر ديبلوماسية عربية في موسكو تُعرب عن تخَوّفِها من أن يؤدّي مدّ إيران بأسلحة حديثة إلى سباق تسَلّح في المنطقة، خصوصاً أنّ ما يجري في اليمن قد فتحَ أبواب الصراع على كلّ الاحتمالات بين المملكة العربية السعودية وحلفائها من جهة، وإيران وأذرعَتِها المتمدّدة في أكثر من بلد عربي من جهة أخرى.
ولا تستبعد المصادر أن تبادر إسرائيل إلى استغلال أيّ فرصة لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية في حال تعثّرَت مفاوضات الاتفاق النهائي، الأمر الذي سيقلبُ الطاولة رأساً على عقِب وسيعيد كلّ ملفات المنطقة إلى المربّع الأوّل.
وترى المصادر أنّ تزويد طهران بمنظومة «أس 300»، في هذا التوقيت بالذات، هو رسالة مباشَرة للرياض، خصوصاً أنّ هذه الصواريخ مخصّصة لاستهداف الطائرات وتدمير كلّ أنواع الصواريخ البالستية المتوسطة المدى الموجودة في العالم، ما يعني أنّ المشهد سيزداد تعقيداً، بحيث لا يمكن التكهّن بما ستؤول إليه الأوضاع لاحقاً في المنطقة.
وبالتالي فإنّ استلام إيران المنظومة الصاروخية الروسية سيزيد من أصداء أصوات طبول الحرب التي تُقرَع بين الحين والآخر في أكثر من ملف، الأمر الذي سيَدفع حتماً السعودية ودوَل الخليج العربية الأخرى إلى تحصين وزيادة قدراتها العسكرية.
أوساط الخارحية الروسية لا ترى مبرّراً للقلق تجاه تزويد طهران بمنظومة صواريخ حديثة، وتؤكّد أنّ هذه المنظومة ليست مخصّصة لتنفيذ أيّ أعمال هجومية، بل إنّ مهمّتها الأساسية اعتراض الصواريخ والطائرات في حال التعَرّض لاعتداءات خارجية، الأمر الذي يجعلها ضمن قائمة الأسلحة الدفاعية الموَجّهة للحفاظ على التوازن في المنطقة.
وتنفي الأوساط أن تكونَ موسكو في صَدد توجيه رسائل لأيّ طرَف في المنطقة من خلال هذا الإجراء، في اعتبار أنّ روسيا قادرة على توجيه أيّ رسائل بصرفِ النظر عن فحواها لمن يلزم ومباشرةً إذا اقتضى الأمر.
وتؤكّد أنّ روسيا استجابت للقرارات الدولية وأوقفَت صفقةً مع الجمهورية الإسلامية عام 2010، عِلماً أنّها وقّعَت بين البلدين عام 2007، واليوم وبعد وصول المفاوضات في شأن برنامج إيران النووي إلى خواتيمها، فإنّ من الطبيعي رفع الحظر عن تلك الصفقة والعودة إلى بناء علاقات طبيعية بين إيران والمجتع الدولي.