Site icon IMLebanon

التدخّل الدولي يبدأ بعمليات الإغاثة

 

ليس مفهوماً كيف يُبدي بعضُ قوى السلطة اعتراضَه على تدخُّلات «القناصل»، فيما هو موجود في السلطة بفضل الجهات الخارجية. وعبر التاريخ، عاش زعماء الطوائف في لبنان بِرِضى «القناصل» ومن أجل رضاهم، وكل منهم يستقوي بـ»قنصُل» على الآخر. والبعض يتلقّى ويستمدّ مقوّمات استمراره بالمال والسلاح من الخارج. فهل هناك سذاجة أكبر من الاعتراض على تدخّلات دولية ستجري في لبنان، وكأنّها «ستفضُّ بكارَته السيادية» للمرة الأولى، فيما البلد فاقدٌ للعذرية منذ أجيال؟

في التوقّعات، أنّ الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي سيستمر بلا أفق، وأبعد مما كان يتصوَّر المحللون. وسيبلغ البلد أقصى درجات الاهتراء، ويعصف الجوع بمعظم شرائح المجتمع، وتعمُّ حالٌ هي مزيج من الاحتقان والإحباط، وتتفكّك المؤسسات ويعجز المسؤولون- المستقيلون من مهّامهم أساساً أو المعتكفون هرباً- عن أداء أبسط المهمّات، فيتحوّل البلد إلى غابةٍ بكل ما في الكلمة من معنى.

عند هذا القعر- يقول بعض المتابعين- سيصبح ممكناً الحديث عن انطلاقة جديدة للبلد تعمل لها قوى دولية معينة، لأنّ أحداً في الداخل لن يكون قادراً على إملاء الشروط أو حتى الاعتراض، باستثناء «حزب الله». وهكذا، فإنّ الانهيار الحاصل حالياً، سيقود إلى تحديد مستقبل لبنان، لا الاقتصادي فحسب، بل السياسي أيضاً. وقد جاء انفجار المرفأ، قبل نحو عام، ليسرّع الخطوات في هذا الاتجاه.

ونواة التدخّل الدولي باتت واضحة: الثلاثي واشنطن- باريس الرياض. وسيكون طبيعياً انتظار تأثير المفاوضات الأميركية- الإيرانية على طبيعة المواجهة المتوقعة في بيروت. فإذا تعثّر الاتفاق في فيينا، سيصطدم الثلاثيّ الدولي- العربي بـ»حزب الله» الذي سيحاول الدفاع عن مواقعه في لبنان حتى النهاية.

هذا الاصطدام لا يريده الفرنسيون. ولذلك، هم يلوِّحون بالعقوبات ويتريثون في تنفيذها أو يتجنَّبون الكشف عن تفاصيلها لئلا تتسبب بمزيد من التوتر. ولكنهم يبذلون شتى الوسائل لدفع القوى السياسية اللبنانية إلى الانخراط في الحلّ، وهم يريدون أن يُظهروا للأميركيين أنّهم شركاء جدّيون في المواجهة.

وفي الموازاة، يترك الفرنسيون باباً مفتوحاً لتدوير الزوايا والاحتفاظ برصيد معيَّن لدى «حزب الله». والسبب هو أنّهم لا يريدون خسارة امتياز رعايتهم للحل اللبناني، بل الكيان اللبناني. ومن شروط هذه الرعاية ألّا يخسروا ثقة أي طرف في «النزاهة» والحياد بين الأطراف كافة.

في أي حال، تحرص القوى الدولية حتى الآن على القول إنّ تَدخّلها في لبنان سيكون ذا طابع إنساني (أغذية وطبابة ووقود)، إضافة إلى دعم الجيش ضمانةً لمنع الفوضى. لكنها تقاطع السلطة السياسية القائمة في سياق مسار يهدف إلى عزلها وتغييرها في الانتخابات المقبلة.

وثمة كلام كثير على مساعٍ ستبذلها القوى الغربية لتغطية عمليات الإغاثة بقرارات تصدر عن مجلس الأمن الدولي. وسبق لقوات الأمم المتحدة أن بادرت بالحضور إلى بيروت للمساهمة في عمليات الإغاثة بعد انفجار المرفأ.

في اعتقاد بعض الخبراء، أنّ فرنسا تراهن على أنّ هذا الدور «الإنساني» لن يلقى اعتراض «حزب الله». وكذلك، قد يوافق عليه الروس والصينيون، فلا يفرضون عليه «فيتو» في مجلس الأمن.

ولا يستبعد العديد من المحللين أن توافق موسكو على صفقة «موضعية» مع الغربيين تشمل الموافقة على دور أوسع لهم في لبنان، مقابل مكاسب تحصل عليها في سوريا ومناطق أخرى. وسبق للرئيس جو بايدن أن التقى الرئيس فلاديمير بوتين في جنيف أخيراً، وجرى نقاشٌ حول الملفات العالقة، في ظرفٍ بالِغ الأهمية.

وفي اعتقاد محللين، أنّ حصول الغربيين على تغطية دولية لدورٍ إنساني يتولّونه في لبنان، قد يدفعهم إلى طموح أكبر، أي إلى تكريس دورهم السياسي في إدارة البلد وإعادة إنهاضه وتحديد خياراته السياسية وتموضعه بين المحاور الإقليمية. وعند هذه النقطة قد يقع الخلاف مع إيران والصدام مع «حزب الله». وهنا بيت القصيد.

في السيناريو المتفائل، قد يتوصل المعنيون إلى تفاهم، ويُترجَم بعقد وطني جديد بين اللبنانيين، على غرار الطائف أو الدوحة، برعاية القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الوضع اللبناني. ويمكن أن تكون استحقاقات الانتخابات مناسبة لترجمة سلّة التوافقات.

ولكن، في السيناريو المتشائم، ستقع مواجهة ساخنة بين الغربيين وإيران في لبنان. وسيكون صعباً تقدير عواقبها وتداعياتها على الواقع اللبناني. ولم ينسَ أحد مرارة التجربة، بين مطلع الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الفائت، عندما انفجرت أزمة الرهائن وتصادَم الإيرانيون مع المارينز الأميركيين والمظليين الفرنسيين ضمن القوات المتعددة الجنسيات في بيروت.