يبدو ان تركيا تمر في ظروف صعبة تشمل سياستها الخارجية مقرونة بالاضطراب في سياستها الداخلية وتزايد التهديدات من حولها. وعلى ما يبدو هذه الاخطار كثيرا ما تفرض تحديات كبيرة وسط ما تشهده المنطقة من اراقة دماء وفوضى وعدم استقرار.
من الصعب تحديد أي من هذه الملفات تشكل خطرا اكبر على تركيا وهي تتقاسم الحدود مع سوريا وتستضيف ٢،٢ مليون لاجئ سوري تقريبا في جوار مناطق تسيطر عليها الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام .
اضف الى ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) والتوتر السائد بينه و بين الحكومة التركية. كل هذا وتركيا تسعى جاهدة الى التفاوض مع الاتحاد الاوروبي في شأن عضويتها وهذا وعلى ما يبدو شاقا ومازال بعيد المنال.
في اول مسح اقتصادي منذ العام ٢٠١٤ قالت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي OECD ان حكومة انقرة عليها العمل من اجل مواجهة تدني معدلات الادخار المحلية وتعزيز سيادة القانون ومحاربة الفساد والحد من الاعتماد على الانفاق الاستهلاكي.
وحذرت المنظمة من ان تركيا ما تزال تعتمد اعتمادا كبيرا على التمويل الاجنبي للطلب المحلي. وترى المنظمة انه ومن أجل تحقيق نمو قوي ومستدام ينبغي زيادة الادخار المحلي واعادة توازن الطلب بين مصادره الداخلية والخارجية.
لذلك، وعلى ما يبدو، التحديات التي تواجه تركيا حاليا عديدة منها خارجي وسببه موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وداخليا بسبب سياستها الداخلية والضغوط التي تسهم في زيادة وتدعيم شعبية حزب العدالة والتنمية.
وجاء اخيرا الانقلاب الفاشل الذي وقع مع اشتباكات مسلحة وانفجارات وتورط اكثر من ٣٤٧ جنرالًا من درجات مختلفة و ٣٠٠٠ جندي على الاقل وتشمل كبار الشخصيات وما لحق ذلك من اعتقالات شملت الجسم القضائي، وما تبعها من اجراءات اظهرت وعلى ما يبدو هشاشة الوضع التركي ودعمت الى حد بعيد سياسة الحزب الواحد بقيادة اردوغان.
هذه التحديات أضيفت الى جملة تحديات اقتصادية حقيقية وامور مثل البطالة ونسبة الوفر المحلي وزيادة اليد العاملة وكلها امور تؤثر سلبا على النمو، وتحتاج الى اصلاحات هيكلية تعتمد على الارادة السياسية والقدرة على الاحتمال. علما ان السياسة الحكومية الداعمة للأعمال التجارية تساعد على امتصاص بعض الصدمات المرتبطة بالمخاطر السياسية والأمنية.
وقد أصبحت القراءات الآن مختلفة بالنسبة الى الوضع التركي الداخلي والخارجي معا، فاستقرار الحكومة والداخل الذي شهدناه لفترة معينة يواجهه عدم الاستقرار في المنطقة. وما كان ايجابيا الى حد بعيد أصبح الآن وبعد الانقلاب مختلفا سيما وان الداخل التركي لم يعد مستقرا.
الوجه الاقتصادي لا يبدو على أحسن حال، وتركيا تعاني من عجز في الحساب الجاري لكن النفط الرخيص وانخفاض الطلب على الواردات من السلع الاخرى بسبب ضعف الليرة التركية، ساعدا على ان يبقى العجز على نسبة ٤،٥ في المائة في عام ٢٠١٥. لكن من المتوقع ان يزيد هذا العجز بنسبة ٥٪ هذا العام و ٥،٤ % العام ٢٠١٨ وهو امر يتعلق بكون تركيا تعتمد على المقرضين والمستثمرين الاجانب لتغطية فاتورة الاستيراد.
وقد ارتفعت الديون الخارجية بصورة سريعة من ٣٨ % من الناتج المحلي الاجمالي في عام ٢٠٠٨ الى ٥٥ % من الناتج الاجمالي المحلي في نهاية عام ٢٠١٥. واكثر من ٩٠ % منها هي بالعملات الاجنبية وليست بالليرة التركية.
مع ذلك لا يبدو الاقتصاد التركي على شفير أزمة ويساعده في ذلك ان معظم الشركات تقترض بالعملة الاجنبية وتسعّر منتجاتها بالدولار. كما ان توقعات رفع اسعار الفوائد الاميركية والتي أثارت مخاوف الاسواق الناشئة قد ارجئت مرة ثانية في أعقاب الـ Brexit والتباطؤ المتزايد في الاقتصاد العالمي.
وكان لافتا ما اعلنه اردوغان حول سياسة البنك المركزي في إبقاء اسعار الفوائد مرتفعة جدا، واتهامه بعض العناصر بمحاولة تعطيل الاستثمار واقتراحه تخفيض اسعار الفوائد للحد من التضخم. هذا الاقتراح يتعارض ووجهة النظر التقليدية.
وقد اثرت هذه التصريحات وبشكل سيء على اداء المركزي وارتفع التضخم ليصل الى نسبة ٧،٦ في حزيران علما ان الهدف المرتجى كان ٥٪ فقط. وقد يكون من الصعب اعادة هذه النسب الى الوراء دون الاساءة الى الاقتصاد وبصورة مباشرة.
على الرغم من ان تركيا تصنّف ضمن نطاق اقتصاد السوق الناشئ تبقى احد اكبر منتجي المنتجات الزراعية والمنسوجات والسيارات والسفن ومعدات النقل الاخرى ومواد البناء والسلع الالكترونية.
وقد ارتفعت مؤشرات السوق ثلاثة اضعاف منذ العام ٢٠٠٩. وزادت حركة البناء عبر تركيا لا سيما وان المراهنين يقولون ان تركيا احد اعضاء NATO سوف تنضم الى السوق الاوروبية المشتركة في العام ٢٠٢٠ وان هذه العضوية سوف تلغي العديد من التعريفات ضد تركيا مما يجعلها في وضعية افضل من السابق.
لكن ديناميكية الاوضاع والتصويت على الـ Brexit والانقلاب الداخلي وظواهر انفجار سريع كل ذلك دليل حتمي على ان امكانية دخولها السوق الاوروبية المشتركة باتت عملية صعبة للغاية بعد ان كانت تركيا تعتبر من الاقتصادات الاكثر استقرارا سياسيا، ومن أكثر الحكومات فعالية بين دول الشرق الاوسط، ولكن على ما يبدو جميع هذه التقييمات تغيرت جذريا.
لذلك، وفضلا عن عدم الاستقرار السياسي، فان المخاوف في شأن الاستقرار الاقتصادي واضحة مع ارتفاع الاسعار وعدم المساواة الاقتصادية وارتفاع معدل البطالة وهي امور تفاقمت وزادت معها الضغوط الاجتماعية والسياسية.
كل ذلك يدعو تركيا الى اعادة حساباتها مع جيرانها ومع الدول الكبرى سيما وان الاستقرار السياسي هو مفتاح العملية الاقتصادية، ويبدو من المبكر تقييم الوضع حاليا مع تدني الليرة التركية مقابل الدولار الاميركي والذي اعتبره المحللون مع المحاولة الانقلابية الفاشلة نهاية فترة نمو وبداية لفترة طويلة من عدم استقرار اقتصادي في احدى الدول الحليفة لحلف شمال الاطلسي.