IMLebanon

التحدّيات الإقتصادية للعهد الجديد

بعد المخاض العسير الذي مرّت به أزمة رئاسة الجمهورية، يتطلّع الناس اليوم الى العهد الجديد بالكثير من الأمل، والأمل نابع من الإصرار على تغيير الذهنية وعلى تحقيق الإصلاح بالشكل الذي يطمح اليه كلّ مواطن، الإصلاح الشامل والكامل، من دون مواربات أو تسويات أو حتى تنازلات، ورفض «السلّة المتكاملة» التي اشترطت للإتيان بالعهد الجديد هو تحديداً لعدم عرقلة مسيرة الإصلاح في بداياتها.

الجميع يتحدّث عن سلال وحصص طوائف وتوزيع وزارات الخ… ولكنّ واقع الامر أنّ الإصلاح الاقتصادي الحياتي ووضع حدٍّ للفساد والرشوة قد يكون أهمّ إنجاز للعهد الجديد لأنّ «بقاء لبنان» بكل بساطة في السنين المقبلة يرتكز على وضع مالي واقتصادي مقبول وإلّا على الدنيا السلام، وأعتقد أنّ كلّ متابع للأوضاع الاقتصادية والأوضاع المالية المصرفية والخطوات الأخيرة التي أجبَرت المصرف المركزي على أن يقوم بها خير دليل على الوضع الصعب، وجاء تقرير جمعية المصارف والذي انتقده البعض ليُثبت مدى دقة الوضع المالي في البلاد.

ويستشعر الناس اليوم أنّ العهد الجديد قد يكون بارقة الأمل المتبقية في دولة فشلت مراراً وتكراراً في تأمين أبسط الأمور، وفي تحقيق أيّ نموّ، وفي إبقاء الشباب اللبناني المبعثر في العالم على أرض الوطن.

الفشل في خلق بيئة صالحة للإنتاج وفي تقليص الدين العام. وفي المناسبة احتلّ لبنان المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً على صعيد نسبة الدين العام الى مجمل الناتج المحلّي بين 19 دولة، وفق تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانيّة.

وبات من المؤكد أنّ اعتماد العقلية القديمة نفسها في إدارة الدولة لن يُحقّق أيّ تغيير وسيبقي التخبّط على حاله، واذا كان للشعوب واجب عليها أن تتعلّم من الدروس السابقة، فما مرّ به الشعب اللبناني هو بحدّ ذاته ذخيرة كبيرة تفرض علينا حرق كلّ الأفكار والنظريات والكتب القديمة والانطلاق بأسس جديدة، كما تغيير كلّ الإجراءات المتّبعة لأيّ معاملة رسمية أو خاصة في لبنان.

ولتكون المسيرة ناجحة هناك بعض الأمور الاساسية التي يجب أن تكون في صلب الحكم لتشكل إدارة فاعلة في تكوين بيئة شفافة خالية من الفساد، وهذه الأمور كنا قد حاربنا لأجلها على مدى سنوات ولكنها لم تلقَ الاهتمام المطلوب، ولا الرغبة في التغيير. ولكنّ الأمر لم يعد يحتمل، فبكلّ بساطة إما نُحقّق التغيير أو نموت، نعم نموت.

1 – إقرار قانون حرّية الحصول على المعلومات ما يسمح لكلّ مواطن لبناني بالحصول على أيّ معلومات مرتبطة بالشأن العام أيّ من كلّ المؤسسات الحكومية أو المملوكة من القطاع العام ونشر كلّ المعلومات على صفحات إلكترونية متوافرة للعموم. وهذا القانون لا زال محتجَزاً، وربما سيبقى محتجَزاً لفترة طويلة اذا لم يأتِ عهد يتبنّى الاصلاح ويدعمه. ويساعد هذا القانون على اعتماد الشفافية بالنسبة إلى المناقصات العامة إن بالنسبة إلى المواصفات او إلى آلية فض العروض، الأهم هنا أنّ كلّ المعلومات منشورة ويمكن لأيّ مهتم الاطلاع عليها.

2 – تطبيق قانون الإثراء غير المشروع وإلغاء السرّية المصرفية عن كلّ مَن يعمل في القطاع العام وكلّ مَن يستفيد من المال العام عنه وعن فروعه وأيّ شركات تابعة له مباشرة أو غير مباشرة، وهذا كما هو معمول به في البلدان الليبيرالية.

3 – إنشاء مجلس أعلى للتنافسية الاقتصادية تحت وصاية رئاسة الجمهورية مع إعطائه صلاحيات إعادة صياغة كلّ الإجراءات الإدارية في الدولة اللبنانية من دون الرجوع الى الإدارات المختصة. ويكون دور هذا المجلس الانطلاق بورشة لإعادة صياغة كلّ المراسيم التنفيذية والإجراءات الادارية بالتعاون مع اهل الاختصاص والمجتمع المدني والهيئات الاقتصادية والأكاديمية للخروج بآليات جديدة لكلّ المعاملات حتى مع القطاع الخاص من اجل ترشيقها وتبسيطها ومنع التعقيدات المهندسة خصيصاً لفتح باب الرشاوى والتي بات الكتبة والفريسيون متمرّسين بها وأورثوها الى الموظفين الموجودين حالياً والى الاجيال التي لم تولد بعد.

4 – الانطلاق بالتنقيب عن الغاز والنفط وفتح إنتاج وتوزيع الكهرباء للتنافس الحرّ كلياً والسماح باستيراد الغاز الطبيعي والمازوت الاحمر والغاز المسيّل الخ…. لمَن يشاء ومنع الاحتكار في هذا القطاع.

5 – الاستمرار في ورشة إصلاح التعليم الرسمي والخاص، واستمرار الورشة التي بدأها الوزير الياس بو صعب لتطوير المناهج مع اقتراح تشجيع المدارس على تنويع المذاهب والطوائف لكي لا تبقى مدرسة لكلّ طائفة وإذا تعذّر ذلك بسبب الموقع الجغرافي، يمكن أن يُصار الى خلق برنامج تبادل بين تلاميذ المدارس لتشجيع الاختلاط وتطوير عملية دمج المجتمع.

6 – تحويل الاقتصاد الوطني الى اقتصاد تنافسي يشمل كلّ القطاعات بلا استثناء لمنع الاحتكارات مع احترام حقوق المستهلك ومنفتح على

التجارة الحرّة والحفاظ على تنافسيّة القطاعات الإنتاجية في لبنان، عبر:

أ‌- إنشاء مجلس أعلى لمنع الاحتكار الخاص والرسمي منفصل عن كلّ الوزارات « Anti – Monopolies Commission «، واعطاؤه صلاحيات لكسر كلّ الاحتكارات في كلّ المجالات التي أُعطيت للقطاع العام والخاص.

ب‌- إنشاء محاكم خاصة ومستقلة وسريعة متخصصة في حقوق المستهلك ومنع الاحتكار.

7 – العمل على استنباط تشريعات تعطي إعفاءات ضريبية ودعم لمَن يخلق فرص عمل في لبنان تحضّ على تشجيع الاستثمارات التنموية وتوازن الإنماء المناطقي والقطاعي، وإنشاء مناطق صناعية «ذكية»، تتوافر فيها خدمات، في المناطق كافة.

8 – إعادة حصريّة حقّ فرض الضرائب الى مجلس النواب وعدم فرض ضرائب مستترة باسم رسوم وتأكيد مبدأ أنّ الرسوم هي لقاء خدمة

وليست لتمويل مالية الدولة بل ربطها بالاستدامة وبالجدوى الاقتصادية، وأعطي مثالاً عن ضرائب تقدر بـ240 مليون دولار سنوياً ولم تمرّ بمجلس النواب تفرضها اللجنة الموقتة لمرفأ بيروت وتصرفها كما شاءت والأمثلة كثيرة على رسوم يدفعها المواطن لم يقرّها مجلس النواب وبعض هذه الرسوم لا يدخل الى موازنة الدولة مباشرة.

هذه نقاط أوّلية شاملة من دون الغوص في تفاصيل أكثر دقة، إلّا أنها أساسية وضرورية لخلق المجتمع الشفاف والمنتج، ولإيقاف عقلية تناتش الدولة الى حصص، وعقلية أنّ المال العام هو مال محلل للجميع.

يبقى الأمل بالعهد الجديد وفرصة تحقيق الاحلام الاقتصادية التي نتمسك بها منذ عشرات السنين، فيكفينا هدراً ولامبالاة وتحطيماً لمقدرات هذا البلد.