IMLebanon

مهمَّتان لدرء الخطر

 

حبّذا لو ان الاجماع اللبناني الممتاز على إدانة همجية اسرائيل منذ محاولة مستوطنيها طرد سكان حي الشيخ جراح المقدسي حتى قيام جيشها بهدم أبنية غزة على سكانها، ينسحب اجماعاً على وجوب كسر الجمود السياسي الإجرامي الذي نعانيه تمهيداً لوضع لبنان خارج دائرة الخطر، خصوصاً أن المنطقة تغلي ويمكن للحرب ان تصير على مرمى حجر من الخط الأزرق الجنوبي.

 

والواقع ان الخطوة غير مطلوبة من اللبنانيين العاجزين عن تحقيق رغبتهم في التغيير، أو المواطنين الجائلين بين محطة بنزين وصيدلية، أو المعوزين الطامحين الى ربطة خبز أو رغيف منها، بل من المنظومة المصرّة على التمسك بالكراسي والمناصب والتسبّب بمزيد من الانهيار والتي تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي مفاجأة أمنية تضاف الى مآسي اللبنانيين.

 

هذا واجب أهل السلطة والسلطان، لأنه مع استحالة إقصاء المجموعة الحاكمة بعدما رفعت ثورة الشارع “العشرة” تحت وطأة القمع وتكالب الظروف المانعة انتصاراً ثورياً أو تشكيل “حكومة انتقالية”، تقع على عاتق سلطات الأمر الواقع مهمة تشكيل حكومة “ترقيع” تبعد جائحة الجوع، وتصرّف المواسم الشحيحة بعد اعادة وصل ما قطعته أعمال التهريب، وتنظّم التسوّل من “صندوق النقد”، وتستعيد من ضامني وزرائها “الاختصاصيين” بعض المسروقات سواء كانت ودائع أم منهوبات.

 

ومع كامل التضامن مع الشعب الفلسطيني في صراعه مع المحتلين، فإن التعجيل في تشكيل حكومة لإنقاذ الحد الأدنى مما تبقى هو ضرورة وطنية وليس ترفاً كالذي يمارسه ممسكو مفاتيح التأليف والتعطيل. فالتطورات الأخيرة في فلسطين يجب ان تدفع المسؤولين، ليس الى المزايدة الشعبوية وأخذ براءات “الوطنية” واستثمارها في المعارك السياسية الداخلية، بل الى التحرك الفوري لتشكيل حكومة توقف الانهيار وتستطيع التعاطي مع المجتمع الدولي باسم دولة وحكومة معترف بهما دولياً، رغم علمنا بأنهما تحولا الى كاريكاتور. ذلك ان أي تدهور حربي سريع يوجب موقفاً وطنياً رسمياً عنوانه “لبنان أولاً”، بمعنى ان الدعم المطلق للفلسطينيين لا يعني إطلاقاً توريط لبنان في لعبة الدم والدمار إذعاناً لرغبة المحور الايراني.

 

في موازاة تشكيل حكومة ننتظر منها عدم التواطؤ مع “سيد نفسه” لتأجيل الانتخابات التي يراهن على نتائجها كثيرون آملين ان يكون اللبنانيون تعلموا درس خياراتهم المريعة، ليس هناك الا مشروع واحد جدي يجب ان يشكل عنواناً أساسياً لنضال اللبنانيين اذا أرادوا الخلاص وليس مداواة الجرح الغائر بمراهم المسكنات. إنه مشروع “الحياد” والمؤتمر الدولي الذي ينادي به البطريرك الراعي، وهو في عمقه ليس الا مشروع استعادة الدولة تطبيقاً للدستور ووثيقة الوفاق الوطني. و”الحياد” بهذا المنظور مطلب آني حياتي مثلما هو مستقبلي وجودي. ويكفي النظر الى ما يجري حولنا من وحشية وحروب بالمباشر والواسطة وأجندات اقليمية على وقع “المفاوضات النووية”، ليتبين أن “الحياد” مطلبٌ ملحٌ وأكثر من ثمين، وصار حقاً من حقوق اللبنانيين.