IMLebanon

2022… من يوقف النزف: الانتخابات أم صندوق النقد؟

 

يمضي العام 2021 تاركاً وراءه حملاً ثقيلاً للعام 2022، وكما بدأ بإذلال المودعين على ابواب المصارف من اجل الحصول على حفنة من الدولارات من ودائعهم، انتهى بالمشهدية نفسها. ولا يزال الانهيار الاقتصادي يتعمّق. فهل يمكن للتغيير ان يبدأ من اتفاقية تُعقد بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ام من مشهد الانتخابات وما سينتح منها؟

محطتان بارزتان يعوّل عليهما من اجل البدء بتغيير المشهدية السوداء ووقف الانهيار الحاصل: توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، قد تكون خلال شهر آذار المقبل، لتليها الانتخابات النيابية التي من المتوقّع ان تجري في ايار وتحدث تغييراً في المشهد السياسي. فهل يمكن التعويل على الاستحقاقين من اجل الحدّ من السقوط الحرّ والبدء بالنهوض الاقتصادي؟

في السياق، يقول مدير مؤسسة البحوث والاستشارات في لبنان الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان: «مضى عامان على بدء الأزمة، وللأسف فإنّ كل المؤشرات لا تزال بالاحمر، وتلك التي جرى حسم جزئي او كلي في شأنها لا تزال تراوح في دوائر مغلقة، سواء التدقيق الجنائي او الرقابة على التحويلات. صحيح انّ هناك تقدّماً ما في اتجاه تحديد الفجوة، لكن الارقام لا تزال غير نهائية، وهناك خلاف على آلية التوزيع، ناهيك عن بعض الملفات التي لا نزال نسمع مراراً وتكراراً النية بالالتزام بها، الّا انّها لا تزال حبراً على ورق، مثل اصلاح القضاء، اصلاح التشريعات، مكافحة الاحتكار، توحيد اسعار الصرف، اعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يعالج خسائره وميزانياته على طريقته الخاصة، من دون تحديد اي إطار لإعادة هيكلة هذا القطاع الذي من دونه لن تكون هناك أي امكانية لعودة الاستثمارات الى البلد والى خلق فرص عمل والى إعادة الطمأنينة. كذلك تغيب كل الافكار المتعلقة بإعادة هيكلة الدين العام والإنفاق العام وتحسين الإيرادات العامة.
في الواقع، لوكانت لدينا خطة للتعافي والإنقاذ والنهوض بالاقتصاد وتندرج ضمنها كل هذه الملفات والمتغيّرات، خصوصاً ارتباطاتها ببعضها البعض، لكنا حملناها وفاوضنا على اساسها من موقع القوي، ولو كنا نملك مقاربة كلية للاقتصاد تتجاوز الترقيعات التي قُدّمت خلال فترة الأزمة، لما كان انتهى ملف الدعم بهذه الطريقة الهمايونية. فقد طالبنا طوال عامين بخطط تؤمّن لنا soft landing اي هبوطاً سلساً، الّا ان ما حصل هو تدحرج للمصائب والأثقال على المواطنين بين ليلة وضحاها. ففجأة توقف الدعم على المحروقات، وطار الدعم على الادوية… وبتنا اليوم نتحدث عن تصحيح اسعار الليرة والقاضي برفع السعر الرسمي من 1500 ليرة الى 6000 ليرة او 8000 ليرة. والله اعلم على اي رقم سيثبت سعر الصرف الرسمي. ومع الأسف، كل هذه المبادرات اتُخذت بقرارات أحادية منفصلة عن الخطة العامة والشاملة، لا بل غير مرتبطة بها».

ورأى حمدان انّ «كل القرارات التي اتُخذت خلال الفترة الماضية تنمّ عن سوء نية، ربما المقصد منها الاستمرار بالدوران في الحلقة المفرغة كي نصل الى ما وصلنا اليه اليوم من انهيار، وذلك بغير مصلحة الأغلبية الساحقة من اللبنانيين الذين باتوا مرغمين اليوم على إيجاد حلول لقضاياهم من خلال القيام بتصفية سريعة، وبظروف غير مناسبة، لموجوداتهم ومسكنهم واراضيهم وودائعهم من اجل تأمين قوتهم اليومي او للهجرة. وعليه، يمكن القول انّ ما وصلنا اليه وما عايشناه من طوابير الذلّ وطوابير البنزين والدواء والقمح والخبز، اتى بنتيجة سياسة السقوط الحر والإنكار التي اعتُمدت لمواجهة الأزمة، ولا شيء يمنع ان تعود هذه الطوابير، لأنّ رفع الدعم التدريجي كان مشروطاً ان يقابله تقدّم في شبكات الأمان الاجتماعي، الّا انّ هذا الامر لم يتحقق».

للأزمة حلولها
أمام هذه الصورة السوداوية، يرى حمدان انّه «لا يمكن للحلول ان تبدأ مع الطبقة السياسية نفسها. فالمطلوب اليوم تأليف حكومة استثنائية من خارج المنظومة السياسية بصلاحيات استثنائية، خصوصاً في المجال التشريعي، كي تحدّد الفجوة بشكل حاسم وتقوم بتدقيق جنائي شفاف تستفيد من نتائجه، لتحدّد في ضوئه اطاراً لتقاسم الخسائر يخضع لأولويات تبدأ بالمساهمين والمصارف. إذ انّ كل الأزمات المماثلة في العالم تبدأ بمحاسبة اصحاب المصارف المساهمين وكبار المصرفيين بشكل خاص، يليه مصرف لبنان، ثم كبار المودعين، تليهم الدولة بالدرجة الرابعة. بعد توزيع الخسائر على هذه الاطراف، إن بقيت هناك فجوة، فيمكن توزيع بقايا الخسائر بشكل طبيعي على الشرائح الاجتماعية الاخرى بشكل تصاعدي.

كما لا يجوز إهمال الكشف عمّن اخرج امواله من لبنان بعد تاريخ 17 تشرين الاول 2019 وحجم المبالغ التي هُرّبت، وتتمثل المشكلة بالتقديرات المتفاوتة لحجم هذه المبالغ وتعدّد الجهات التي تدّعي امتلاكها للارقام التي تخضع لأهوائها السياسية. الأرقام المتداولة تتراوح ما بين 10 الى 20 مليار دولار. وحده القضاء قادر على الحسم في هذا الموضوع من خلال التوجّه الى الدول التي تلقّت انظمتها المصرفية هذه الاموال. الّا انّ هذه الخطوة تحتاج الى تفويض من الحكومة (التي يفترض ان تكون من خارج المنظومة) والى قضاء نزيه مهني ومستقل يمكن ان يتواصل مع الدولة لإرجاع ما خرج من اموال من لبنان.
الى ذلك لا يزال في امكاننا ان نحلم بإعادة هيكلة الدين العام والإنفاق العام، كما لا بدّ من نظام ضريبي جديد يقوم على التصاعدية، لكن قبل شيء يجب البدء بتحقيق التغطية الصحية الشاملة واعادة النهوض بالتعليم الرسمي»، مؤكّداً انّ توفير هذين العاملين سيحدّان من الهجرة.
كما لا يجب اهمال من استفاد على مدى 20 عاماً بشكل قانوني، انما غير شرعي، من سياسات عامة. صحيح انّها كانت ملتزمة بالقوانين انما انتهت الى إفقار 80% من الشعب في مقابل استفادة 20% من الناس الذين تضاعفت ثرواتهم خلال هذه الفترة. انطلاقاً من ذلك يرى حمدان انه «يجب اعتبار ثلث خدمة الدين على الاقل غير مبرّرة بالمعايير الاقتصادية والتقنية». فهل يجوز ان تشكّل كلفة خدمة الدين 27 مليار دولار من اصل 82 مليار دولار منذ العام 1993 حتى اليوم، اي انّه خلال 25 عاماً دُفع 82 مليار دولار فوائد وثلثها على الاقل اتت بشكل قانوني انما غير شرعي؟ لذا اعتبر حمدان انّه يجب على الدولة ان تفاوض هؤلاء الذين استفادوا على مدى سنين، وتقدّم لهم خيارات ما بين رفع السرية المصرفية عن حساباتهم او المساهمة بثلث او ربع المبالغ الموجودة في حساباتهم للملك العام، من اجل اعادة النهوض بالاقتصاد وبناء اقتصاد منتج.

الانتخابات ام صندوق النقد؟
ورداً على سؤال عمّا اذا كان التغيير سيبدأ من الانتخابات ام من بعد الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي يقول حمدان: «اذا كانت الانتخابات ستأتي بنفس الطبقة السياسية التي تسببت بالانهيار الذي نعيشه فلا تفاؤل مرتقباً.
واذا لم تُقدِم «ام الصبي»، اي الدولة، على تحديد الاولويات واحتياجاتها، وذهبت الى التفاوض مع صندوق النقد الدولي عن وعي، فلا يمكننا ان نتفاءل خيراً، وإذا ذهبنا الى التفاوض حاملين همّ الطوائف والمذاهب والمصالح السياسية، واذا فاوضنا بقلة مهنية، أخشى ان يتجّه البلد الى عقد إذعان».