أعدّت الحكومة شرحاً مفصّلاً حول الوضع الحالي للبلاد والاجراءات الاصلاحية التي تنوي القيام بها بالتوازي مع تطبيق برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، طارِحة توقعات للمؤشرات الماكرو اقتصادية والمالية خلال مدّة تنفيذ البرنامج بدءا من العام 2023 ولغاية العام 2026. ولكن إذا عجزت الطبقة الحاكمة منذ اندلاع الازمة عن تنفيذ أبسط الشروط المطلوبة دولياً، هل ستنجح السلطة التشريعية الجديدة في إقرارها؟
عادت القوى السياسية التقليدية، التي حَمّلها كثر مسؤولية الانهيار الاقتصادي الأسوأ في العالم منذ 1850 ومسؤولية الابادة الجماعية الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت، الى السلطلة التشريعية مجدداً، وهي التي فشلت منذ عامين في اقرار أي قوانين او تشريعات مطلوبة لانتشال البلاد من أزمتها، لا بل ساهمت في تفاقمها وعَمّقتها، مراكمة الخسائر وهادرة الاحتياطيات المالية.
ورغم ان تقرير الامم المتحدة الاخير اشار الى انّ أعمال القادة السياسيين والماليين في لبنان المدمرة، هي التي دفعت معظم سكان البلاد إلى الفقر، وهي المسؤولة مباشرة عن الانهيار الاقتصادي والمالي، فهؤلاء القادة وكتلهم النيابية التي لم تغيّرها الانتخابات، هي التي ستكون مسؤولة مجدداً عن اقرار القوانين والاصلاحات المطلوبة لوضع البلاد على مسار الاصلاح وتلبية شروط المجتمع الدولي للحصول على دعمه المالي الذي لا خلاص للبلاد من دونه.
وبالتالي، فإنّ الحكومة الجديدة التي ستكون سياسية ومشابهة تماما لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، يقع على عاتقها، في حال تم تشكيلها سريعا، استكمال بنود خارطة الطريق التي وضعتها الحكومة السابقة، منها شروط الاتفاق المبدئي الذي توصلت اليه مع صندوق النقد الدولي بالاضافة الى بدء التفاوض مع حملة سندات اليوروبوندز، وهو موضوع الورقة التي أعدّها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في 11 ايار الماضي وبعث بها للجهات الدائنة في لبنان والتي تضم تحديثاً حول الوضع العام للبلاد وخارطة الطريق المنوي السير بها.
تطرح الورقة ما آل اليه الوضع الاقتصادي الكلي في لبنان حالياً، نظرة عامة حول الاتفاق المبدئي الذي تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي والإطار الاقتصادي الكلي الأساسي المطروح ضمنه بالاضافة الى الخطوات الاولية لبرنامج الإصلاح، والخطوات التالية التي تنوي البلاد السير بها.
وفي توقعات الحكومة للوضع الاقتصادي خلال تنفيذ برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي على مدى 4 سنوات، مفترضة البدء بتطبيق البرنامج اوائل العام 2023، ارتفاع إجمالي الناتج المحلي الاسمي من 360,360 الف مليار ليرة في 2022 الى 520,058 الف مليار ليرة في 2023، والى 608,071 الف مليار ليرة في 2024، و684,584 الف مليار ليرة في 2025، وصولاً الى 756,651 الف مليار ليرة في 2026، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2,2 في المئة في 2023 و4,3 في المئة في 2024، و3,3 في المئة في 2025، و3,1 في المئة في 2026.
واشارت الورقة الى ان تركيز الحكومة سينصَبّ على تعزيز الإنتاجية في جميع القطاعات الاقتصادية، مع التركيز بشكل إضافي على اقتصاد المعرفة كمحرك فعّال للنمو. ستوفّر الحكومة البيئة التنظيمية الصحيحة وترسم السياسات الداعمة للنشاط الاقتصادي لكي يزدهر من خلال تعزيز الخدمات المالية الرقمية، وتعزيز إطار الملكية الفكرية، وتوفير إنترنت عالي السرعة وبأسعار معقولة، وزيادة الإمداد بالكهرباء لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
وفي توقعات الحكومة الكلية الأساسية حول مسار التضخم، ابلغت الجهات الدائنة انها ترجّح تراجع نسبة ارتفاع اسعار الاستهلاك خلال مدّة برنامج صندوق النقد الدولي، من 96,9 في المئة في 2022، الى 42,1 في المئة في 2023، و12,5 في المئة في2024، و10,5 في المئة في 2025، و5 في المئة في 2016.
ومن ضمن ركائز برنامج الإصلاح الاقتصادي المخطط له:
إعادة هيكلة القطاع المالي، التوحيد المالي واستدامة الديون، إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، تعزيز إطار الحَوكمة، وتعديل نظام سعر الصرف والنقد.
اما البنود الرئيسية لاستراتيجية الحكومة لإعادة تأهيل القطاع المالي، فهي تعتمد على تنفيذ المتطلبات المسبقة لنجاح عملية إعادة هيكلة القطاع المالي، إدارة عادلة ومنصفة للخسائر، إعادة رسملة البنوك القابلة للاستمرار / حل البنوك غير القابلة للاستمرار. مؤكدة التزامها باستعادة صحة وسلامة القطاع المالي، وتعزيز اطار عمل النظام المصرفي بأكمله.
تهدف خطة الحكومة المالية إلى توحيد المالية العامة إلى جانب تحقيق اهداف استدامة الدين العام، حيث سيستهدف البرنامج تعديلًا تراكميًا في الرصيد الأولي (باستثناء النفقات الرأسمالية الممولة من الخارج) بحوالى 6 % من الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق فائض أولي بنسبة 1 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026.
كما اوضحت الورقة الموجهة الى الجهات الدائنة ان خطة الحكومة المالية، ستعتمد في المدى القصير على مبادرات لتحسين الإيرادات تشمل: تفعيل القدرة على تحصيل الرسوم الضريبية والجمركية، توحيد سعر الصرف لتحصيل كافة الضرائب والرسوم بما في ذلك قاعدة تقييم الواردات. وعلى المدى المتوسط: تدابير إدارة الإيرادات لتحسين الامتثال ودعم التوحيد، توسيع القاعدة الضريبية والزيادة التدريجية في المعدلات.
في المقابل، تشمل مبادرات ترشيد الإنفاق في المدى القصير: دعم زيادة الإنفاق الاجتماعي، توحيد مختلف الإنفاق على التعليم والصحة لجعلها أكثر فعالية، استيعاب الانتعاش الجزئي للأفراد الذين تآكل إنفاقهم بشكل كبير في العامين الماضيين بسبب ارتفاع معدلات التضخم، تجديد الإنفاق الرأسمالي لإعادة تأهيل البنية التحتية وتعزيز النمو. وعلى المدى المتوسط: مراجعة الإنفاق العام للمساعدة في تحسين الكفاءة وفعالية الإنفاق العام وتحديد سبل تحديد أولويات الإنفاق وتبسيطه، تقليص حجم القطاع العام.
وفيما تلتزم الحكومة بوضع الدين العام على مسار مُستدام، تعتزم خفض الدين العام إلى 100 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، وإلى 75 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2032. وسيتحقق ذلك من خلال ضبط أوضاع المالية العامة، وسياسات تعزيز النمو، وإعادة هيكلة الدين العام. مشيرة الى انه سيتم استبعاد الديون المقومة بالعملة المحلية (5 مليارات دولار على سعر صرف الـ20 الف ليرة) والديون الثنائية (2 مليار دولار)، إلى أقصى حد ممكن، من عملية إعادة هيكلة الديون الاجنبية (37 مليار دولار من ضمنها المتأخرات).
وتؤكد الحكومة انها في مرحلة إعادة هيكلة الديون، ستستمر في سداد مدفوعات خدمة الدين للشركاء متعددي الأطراف، وستقوم بالتفاوض مع حاملي السندات الاجنبية بهدف الوصول إلى اتفاق بشأن شروط إعادة الهيكلة، والتوصل الى اتفاق مع حاملي السندات على المبادئ الأساسية لإعادة الهيكلة والتوقيع على الشروط.