IMLebanon

الإنهيار الإقتصادي وتحديات النهوض!

 

كثيرة هي التحديات الإقتصادية والإجتماعية التي تواجه لبنان والتي كانت انفجرت بشكل كبير قبل تفشي “كورونا” الذي اضطر الحكومة لتطبيق إجراءات التعبئة العامة أسوةً بكل دول العالم (وأعطتها فترة سماح)، وقد تفاقمت بشكل غير مسبوق بعد هذه الخطوات التي كانت ضرورية صحياً واحترازياً ولكنها أدت إلى إقفال المزيد من المؤسسات والشركات والمطاعم والمصانع في مختلف المناطق اللبنانية.

 

لقد تأخرت الحكومة كثيراً في التوجه إلى صندوق النقد الدولي الذي كان من الواضح أن لا مفّر من اللجوء إليه عاجلاً أم آجلاً لا سيما مع تدهور العلاقات العربية والدولية للبنان بشكل لم يُشهد له مثيل من قبل، ما جعل توقع وصول تدفقات نقدية سواء كهباتٍ أم كقروض ميسرة أمر متعذر ولن يكون من السهل حصوله.

 

ويضاف إلى ذلك الإشكالية التي تتصل بثقة المجتمع الدولي بلبنان الذي تخلّف مراراً وتكراراً عن الإيفاء بتعهداته الإصلاحية ودائماً بسبب الخلافات والمناكفات المحلية وبسبب ممارسات بعض القوى السياسية التي لطالما غلّبت إعتباراتها المصلحية الفئوية الخاصة على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية التي أعادت تعريف مفاهيمها وفقاً لمقارباتها ونظرتها الضيقة.

 

ثمة إشكاليات حقيقية في الخطة الإقتصادية الحكومية المقترحة ومنها على سبيل المثال أنها ستخصص التمويل الخارجي عند توفره لدفع الخسائر المصرفية وتمويل الاستيراد من الأسواق الخارجية وهو ما يعني عملياً الإحجام عن الإنفاق الاستثماري الذي من شأنه تفعيل حركة القطاعات الإنتاجية والحفاظ على فرص العمل بالحد الأدنى وربما إعادة توسيع قاعدتها بعد أن لامست البطالة حدوداً خطرة وغير مسبوقة.

 

أما في قطاع الكهرباء الذي هو أم المشاكل في لبنان ويقتطع نحو 45 بالمئة من حجم الموازنة بشكل سنوي متواصل، فالخطة تعيد تبني مشروع الكهرباء الذي وضع سنة 2019 ويشوبه الكثير من العثرات الإقتصادية والمالية والعلمية والهندسية، كما أنها عكست رؤية أطراف سياسية بعدم تعيين الهيئة الناظمة للقطاع ومجلس إدارة كهرباء لبنان وهو ما لم يعد مقبولاً تأخيره، إذا كان لدى الحكومة فعلاً جدية لإثبات شفافيتها في الإصلاحات وهو مطلب مركزي لدى كل هيئات التمويل الدولية.

 

إلا أن الأهم هو أن الخطة لم تتخذ الخطوات الجدية الكفيلة بتحويل الاقتصاد اللبناني من إقتصاد ريعي  إستهلاكي إلى إقتصاد منتج ومتطور، والقصور في هذا المجال لن “يؤبد” الوضع القائم حالياً فحسب، بل سيجعل إمكانية إحداث التغييرات الهيكلية المطلوبة مسألة أكثر صعوبة وتعقيداً. فالرهان على قطاعات إقتصادية معنية دون سواها لن يكون كافياً أو كفيلاً بإحداث التغيير المنتظر على أكثر من صعيد.

 

وإذا كانت الحكومة تراهن في خطتها على خفض نسب الاستيراد بسبب تدني القيمة الشرائية للعملة الوطنية، فإنها لم تبحث في كيفية التعويض عن آلاف الأسر اللبنانية التي كانت تتمتع بمداخيل معقولة بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي القديم، وقد تآكلت قيمتها وتدنت إلى مستويات خطيرة، الأمر الذي يمهد للسقوط النهائي لما تبقى من طبقة وسطى في البلاد.

 

خلاصة الأمر أن الوضع دقيق جداً ويتطلب إجراءات جذرية وفورية تسمو فوق الحسابات السياسية المصلحية والفئوية بعيداً عن الشعارات الإصلاحية التي تستهلك يومياً في وسائل الإعلام دون أن تسلك طريقها إلى التنفيذ الفعلي.