بتمهل وإنكار ولامبالاة يواجه السياسيون الانهيار الاقتصادي، لا حلول لا خطط لا برنامج عمل حتى الآن، فيما عدّاد الوقت يسير بلبنان بسرعة نحو مزيد من الفقر والجوع. هي مسألة أسابيع قبل ان تتغيّر الصورة مجدداً نحو الاسوأ. فكيف يستعد لبنان لمواجهة تحدّيات العام 2021 التي تنطلق بصفر فائض عن الاحتياطي الالزامي؟
يقول الاقتصادي روي بدارو، انّ ما تبقّى لنا من الاحتياطي هو في حدود 850 مليون دولار، بما يوازي مصروف شهر. أي من المتوقع ان ينتهي الاحتياطي في منتصف الشهر المقبل، او كأبعد تقدير نهاية العام 2020. فكيف تستعد الدولة لمواجهة العام 2021؟ للأسف نحن غير محضّرين بعد لمواجهة العام المقبل لا مالياً ولا فكرياً، لا سيما في ظلّ الترابط العضوي والوثيق بين المشهد السياسي والمشهد الاقتصادي، الذي يأتي نتيجة لسوء تصرف في معالجة الأزمات المتلاحقة.
واعتبر بدارو، انّ «الفشل الحاصل هو فشل جماعي، ولا تتحمّل مسؤوليته جهة واحدة، «كلن يعني كلن « مسؤول، وفي ظلّ الحوكمة الحالية نحن غير قادرين على التقدّم على الساحة الاقتصادية. فالوصفات الاقتصادية واضحة للجميع باستثناء البعض، الذي يتنكر للواقع. للأسف، نحن ندفع ثمن صراعات اجنحة ومصالح كبيرة على حساب الوطن».
وأكّد انّه لا يمكن تغيير المنحى الاقتصادي اذا لم نغيّر المنحى السياسي، «الّا اننا عاجزون عن تغيير المنحى السياسي في ظلّ وجود حزب يستقوي بالسلاح».
ولفت الى انّ «لبنان دخل الى جهنم ويعيش فيه. لكن اذا لم نمسّ بالاحتياطي الالزامي، وأصلاً لا يجوز المسّ به، فنحن نتجّه الى «ما بعد جهنم»، بما يعني انّ جهنم الذي نعيشه اليوم سيكون الجنة مقابل «ما بعد جهنم» الذي ينتظرنا، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا انترنت… اي عودة الى العصر الحجري.
اما المسّ بالاحتياطي الالزامي للهروب مما ينتظرنا، فيعني سرقة اللبنانيين مجدّداً. لذا يجب ان يُقابل بحركة اعتراضية، لأنّ هذه الخطوة تعني إطالة عمر المنظومة السياسية الحالية». مشدّداً على انّ «عدم السماح باستعمال الاحتياطي الالزامي او بيع الذهب او الخصخصة، هو الطريقة الوحيدة لعدم تمديد حياة هذه الطبقة السياسية».
ودعا بدارو الى تغيير شامل وكامل بحكومة جديدة، لا يكون مارس أحد من أعضائها العمل السياسي من قبل، لكنه يملك في الوقت نفسه نفَساً سياسياً سيادياً، أي يلتزم بالسياسة والحياد.
خطة الحكومة
وبالانتقال الى الحديث عن خطة الحكومة، قال بدارو: «انّ اهم ميزات الخطة الانقاذية التي أعدّتها الحكومة انّها لم تغط عيوب الاقتصاد وعوراته، وعلى عكس ما قيل في المجلس النيابي بأنّ الأرقام التي تضمنتها غير دقيقة، نحن نرى انّ الخطة اعتمدت أرقاماً علمية ودقيقة ايّدها صندوق النقد الدولي خلافاً لما يُسوّق». وأوضح انّ «ارقام الحكومة قريبة جداً من ارقام الصندوق، بحيث يمكن ان تصلح كبداية لنقاش جدّي مع صندوق النقد، شرط ان يقودها فريق من الخبراء يملكون الحنكة في طريقة التعاطي مع الفريق المفاوض». وأكّد انّه «ليس بالضرورة ان يوافق الجانب اللبناني على كل ما يطرحه وفد صندوق النقد، انما يجب ان نقدّم البراهين والحجج والمنطق خلال التفاوض. لكن في الوقت نفسه يجب التنبّه الى انّه يجب اقناع العالم الغربي وخصوصاً الجانب الأميركي، والذي يملك ما نسبته 16% من حق التصويت، بأنّ لبنان سيتمكن من الالتزام بتنفيذ الخطة، وانّ كل الأطراف السياسية ستتعاون على إنجاحها».
ورأى بدارو انّ «أهمية خطة الحكومة تكمن في المنطق الذي اتبعته وليس في الارقام التي تضمنتها، لأنّ الزمن تخطّاها وباتت كلفة تطبيق أي خطة اغلى. فلو دفعنا استحقاق «اليوروبوندز» في آذار كان تناقص ديننا مليارين، وما كنا لندعم التهريب الى سوريا بالقيمة نفسها تقريباً. ليبرز هنا مدى الغباء في قرار التخلّف عن الدفع».
واعتبر بدارو انّ مآخذه على خطة الحكومة تكمن في عدم تركيزها على عنصر النمو، «الذي كان يجب ان يكون هاجس الحكومة الأول. فالمداخيل التي خُطّط لها لن تأتي. ونلاحظ كيف انّ المؤسسات الخاصة تموت واحدة تلو الأخرى. في السابق، كانت تجبي الدولة نحو 20% ضرائب عن الناتج القومي، اما اليوم، لا يُتوقع ان تزيد النسبة عن 5 الى 6%، ما يعني انّ العجز تفاقم بسبب الهبوط الحاد في المداخيل وغياب أي نمو. وإذا لم يتغيّر النظام يُتوقع ان يغيب النمو أيضاً في العام 2021، وفي غياب النمو يغيب أي تصحيح مالي ونقدي». ورداً على سؤال، قال: «اذا طُبقت الإصلاحات كلها وفق أفضل نموذج، لا يمكن للبلد ان يقلع قبل 6 سنوات، فكيف اذا لم تُطبق الإصلاحات او طُبقت على الطريقة اللبنانية».
واسف بدارو لأنّ الانهيار الاقتصادي الذي نعيشه يُقابل بمماطلة وجمود سياسي أدّيا الى افقار الشعب وتهجيره، وقال: «توقعت قبل أحداث 4 آب هجرة نحو 500 الف لبناني. اما اليوم أتوقع هجرة فوق المليون لبناني، والاسوأ من هذه الهجرة وبغض النظر عن الخسائر التي مُني بها لبنان واللبنانيون، انّهم قتلوا الامل بالبقاء. وهذا سيرتّب هجرة جماعية ستتفاقم في العام 2021 فور ان تلتقط دول العالم أنفاسها بانتهاء كورونا، وعندها نكون امام مشروع وطن مختلف عن الذي نعيشه اليوم، يقطنه العجائز ومن لا يملك المؤهلات للعمل في الخارج».