IMLebanon

العمل على ترشيد فاتورة الدعم غذائياً وصحياً

 

غريب أمر تلك الطبقة السياسية التي ارتكبت على مدى عقود من الزمن، شتّى أنواع الموبقات التي يتخيلها العقل، بحق شعب بأكمله، إلى حدّ افلاسه وتجويعه وابتزازه بحبة الدواء… وها هي تحمّل حكومة حسان دياب التي ضُربت من بيت أبيها، مسؤولية انهيار شامل سيطيح بكل شيء.

 

حاول حساب دياب أن يتجاوز حقل الألغام الذي اختار بنفسه السير فيه من دون أن يحصّن ذاته وحكومته بضمانات مسبقة، تحول دون مواجهته “عناقيد غضب” ذوي القربى السياسية، لكنه اصطدم بمنظومة مصالح وقوى سرعان ما أطاحت بحكومته واحالتها إلى نادي التقاعد المبكر. فيما المطلوب منها اليوم أن تواجه اعصاراً استثنائياً، وهي معراة من كل شيء.

 

الأرجح أنّ بعض القوى السياسية التي تحمّست في بعض المراحل لهذه الحكومة علّها تتمكن من إنجاز شيء بعد اختراق المحظورات والصناديق السوداء والخطوط الحمراء، تبدي في هذه اللحظات بالذات، ندمها على تطيير “حكومة الاختصاصيين”، بعدما خرج سعد الحريري من مربع التأليف، ولم يعد. إكتفى بوضع التكليف في جيبه، وسط صمت مطبق، لم يسبقه إليه أحد من المُكلفين.

 

أكثر من يجتاحهم الندم، هو “حزب الله” الذي يتفرّج على حلفائه يتخبطون مع رئيس الحكومة المكلف في مشاوراتهم، من دون أي نتيجة. رئيس الجمهورية ميشال عون يستخدم كامل صلاحياته لحماية الحصة المسيحية، وتحديداً العونية، من سياسة القضم التي يمارسها الحريري، فيما رئيس مجلس النواب يضغط باتجاه اخراج الحكومة من نفقها. كان الاعتقاد سائداً أنّ ظنون الرئيس بري ستكون في محلها، وهو الذي كان شبه حاسم بأنّ تشكيلة الحريري ستولد خلال أيام فقط. وها هي الأيام تصبح أسابيع، وقد تمتد لأشهر.

 

في الواقع، تغرق المشاورات الحكومية في مستنقع المراوحة ما يدفع بعض مسؤولي قوى الثامن من آذار إلى اللجوء إلى “الخطة ب”، وهي إعادة تفعيل حكومة حسان دياب. الاخير لا يريدها وغير متحمس لها. ومع ذلك يؤخذ عليه أسلوبه الأكاديمي في المعالجات بينما المطلوب منه الضرب بيد من حديد على الطاولة. فقد جعلت منه الظروف حاجة ماسة للجميع، بمن فيهم خصومه، وتحديداً الحريري المعتكف والجالس في بيت الوسط ينتظر شيئاً ما، هو بذاته لا يعرف ماهيته. ولذا يمكن لرئيس حكومة تصريف الأعمال الاستفادة من هذا الهامش بكونه الواجهة التي يحتاجها الجميع للاختباء مما قد يحمله الانهيار الشامل، لاختراق حصون المحميات السياسية.

 

في المقابل، تتعاطى القوى السياسية بكثير من انعدام المسؤولية تجاه التطورات المرتقبة اذا ما استفحلت الأزمة الاقتصادية – المالية وانفلتت الأمور من عقالها، ومعها سعر صرف الدولار بشكل يفجّر البركان الاجتماعي ليطيح بما تبقى من استقرار هشّ، لتمعن في سياسة تقاذف الاتهامات والمسؤوليات، وكأن البلاد في أحسن أحوالها.

 

طبعاً، أول تجليات هذا الانهيار سيحصل في ما لو قرر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقف الدعم، خصوصاً وأنّ النقاش حول اللجوء الى الاحتياطي الإلزامي لم يحسم بعد. حتى الآن، يصر رئيس الحكومة على الاكتفاء فقط بترشيد الدعم كي لا تدفع الطبقات الفقيرة ثمن “إفلاس” مصرف لبنان والارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، والذي يعرف الجميع أنّ الصراع السياسي هو واحد من أسباب التلاعب بسعر الصرف. المسألة لم تحسم بعد، ويفترض أن تتبلور خلال الأسبوع المقبل، سواء من جهة مصرف لبنان أو من جهة الحكومة التي تسعى لترشيد الدعم.

 

وفق المطلعين على موقف رئيس الحكومة، فإنّ الوزراء المعنيين، ينكبون على وضع خطة لمواجهة المرحلة المقبلة من خلال ترشيد الدعم، سواء في ما خصّ السلة الغذائية أو الدواء من خلال وضع لائحة بالأدوية الواجب دعمها وتلك التي يمكن الاستغناء عن دعمها، في محاولة لتقليص حجم فاتورة الدعم قدر الامكان… فيما ينتظر أن يشهد الأسبوع المقبل بلورة رسمية للمفاوضات مع الجانب العراقي في ما خصّ الفيول العراقي حيث يعتقد المطلعون على موقف رئيس الحكومة، أن نجاح هذه المحاولة من شأنه أن يريح مصرف لبنان من أعباء الفاتورة النفطية بشكل كبير.