رغم الانهيار الشامل للوضع المالي والنقدي والاقتصادي، ما زال المسؤولون ماضون في سياسة الترقيع وابتكار الحلول المجتزأة منذ بداية الأزمة رغم انها لم تُجدِ نفعاً وأظهرت فشلها في معالجة الأزمات، لا بل بات معلوماً انها فاقمتها وسرّعت في انهيار القطاعات كافة.
رغم ان احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية قد استنزف، أعلن وزير المالية أخيراً ان هناك حوالى مليار دولار يمكن استخدامها لمواصلة الدعم وان الاقتراحات المطروحة لترشيد الدعم هي خفض نسبة دعم البنزين 5 في المئة فقط!
وعلى غرار الحلّ السطحي الذي تمّ إقراره لأزمة الكهرباء عبر إعطائها سلفة مالية بقيمة 200 مليون دولار لتأجيل «العتمة» شهرين، فإنّ خفض الدعم عن استيراد البنزين 5 في المئة قد يسمح بتأجيل قرار رفع الدعم أيضا لشهرين اضافيين فقط. كذلك الامر بالنسبة لرفع الدعم عن بعض المواد الغذائية والاستهلاكية الذي لن ينتج عنه سوى شراء القليل من الوقت الاضافي من دون ان يكون هناك خطة او سياسة واضحة لكيفية الاستفادة من الوقت الاضافي.
في هذا الاطار، لم يستغرب احد المسؤولين الدوليين انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان، معتبراً انّ ما تشهده البلاد هو نتيجة 30 عاماً من الاقتراض غير المنضبط بمعدلات فائدة مرتفعة وسياسات ماكرو اقتصادية خاطئة من قبل سياسيين فاسدين. وقال لـ»الجمهورية»: بينما كانت دول أخرى في العالم منشغلة في بناء اقتصادات ومؤسسات وأسواق قوية وتحسين مستويات المعيشة لسكانها، كان أمراء الحرب في لبنان يبنون إمبراطورياتهم داخل الحكومة ويعيّنون موظفين فاسدين وغير أكفاء في مناصب عليا في الدولة.
وذكّر انه في منتصف التسعينات، تمّ تحذير المسؤولين اللبنانيين من أن الوضع غير مستدام وأنه يجب الشروع في تنفيذ الإجراءات التصحيحية لتجنّب حدوث أزمة اقتصادية، إلا ان أحداً لم يفعل شيئاً لتغيير الديناميكيات الاقتصادية، ولم يشهد لبنان أي إصلاح اقتصادي منذ أوائل العام 2000 على الرغم من الوعود التي تمّ التعهد بها في مؤتمرات باريس الأول والثاني والثالث.
أضاف: لقد بنوا اقتصادا قائما على الاقتراض وعلى هبات المانحين من دون خجل وكبرياء. واستمرّوا طوال فترة الأزمة يطمئنون الى ان الليرة ستعاود الاستقرار، وأن الظروف الاقتصادية ستبدأ في التحسّن، «مما لا يسمح بالاستنتاج سوى ان الطبقة الحاكمة، بالاضافة الى كونها فاسدة وغير كفوءة، فهي متوهمة بشكل خطير ومنفصلة تماماً عن الواقع.
ولفت المسؤول الدولي إلى السلوك الأخير للسياسيين في لبنان منذ اندلاع الانتفاضة في تشرين الأول 2019، مشيراً الى ان رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري استقال بدلاً من البقاء في المنصب والتعامل مع الأزمة. «وبعد الفراغ السياسي، تمّ تشكيل حكومة حسان دياب وتعيين من سَمّوهم «اختصاصيين» في مجلس الوزراء رغم انّ معظمهم، إن لم يكن جميعهم، تم تعيينهم من قبل السياسيين بهدف الاحتفاظ بالسيطرة على قرارات مجلس الوزراء. أعدّت حكومة دياب برنامج إصلاح اقتصادياً لبدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي. قوّضت المعارضة المزعومة تلك المفاوضات بناءً على حيَلها المحاسبية لتغطية الخسائر في النظام المصرفي ومصرف لبنان. وبعد الفترة القصيرة التي قضاها أديب كرئيس للوزراء، رشّح الحريري نفسه لمنصب رئيس الوزراء، ولغاية اليوم، بعد 6 أشهر، لم يتم التوافق على تأليف الحكومة».
بالاضافة الى الفوضى السياسية القائمة، أوضح المسؤول الدولي ان كل قرار اقتصادي تم اتخاذه منذ تشرين الاول 2019 فاقمَ الأزمة وزاد من حدّتها. وقال: لقد طبّقوا نظام دعمٍ مسرف وغير مستدام، وقد أغرق مصرف لبنان السوق بالليرة اللبنانية والتعاميم المشوَّهة، وما زالوا لغاية اليوم يناقشون قانون الـcapital control… والمفارقة أنه لم يتحمّل أحد حتى الآن أي مسؤولية عن البؤس والمعاناة التي يلحقونها بالسكان. واستبعد، في حال تشكيل حكومة، ان تكون هناك ارادة سياسية جدّية أو حتى دراية بكيفية معالجة الأزمات التي تواجهها البلاد، مشددا على ضرورة ان يَعي السياسيون أن هناك طريقة واحدة فقط للبدء في معالجة المشاكل الاقتصادية في لبنان، وهي صندوق النقد الدولي.