Site icon IMLebanon

اللبنانيون يبحثون عن…حبال الهواء!

 

يتصرف اللبنانيون في يومياتهم كالغريق الذي يتعلق بحبال الهواء، بعدما فقدوا كل الثقة بقدرة المنظومة السياسية الحالية على إنقاذهم.

 

أنانيات وفساد وفشل وعجز أهل السلطة، كلها عوامل أدت إلى الإنهيارات الإقتصادية والإجتماعية الراهنة، وإفلاس البلاد والعباد، وتدحرج الجميع إلى جهنم، كما بشّرهم رئيس الجمهورية منذ بضعة أشهر.

 

أجواء اليأس والإحباط دفعت اللبنانيين إلى التطلع إلى الخارج ، إلى المجتمع الدولي، وليس إلى دولة واحدة بعينها، خاصة أيضاً بعد تعثر المبادرة الفرنسية، وسقوطها في دوامة مناورات السياسيين الخبيثة.

 

بادر البطريرك مار بشارة الراعي إلى التعبير عن مشاعر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين المتطلعين إلى فتح نوافذ الإنقاذ من الخارج، بعدما سُدّت كل الأبواب من الداخل.

 

الحماس الذي قوبلت به بادرة سيد بكركي في الداخل ، لم تصل سخونته إلى عواصم القرار في الخارج، لأسباب عدة، ليس أقلها الإنشغال والضياع في معالجة تداعيات جائحة كورونا، والأوضاع الإقتصادية المتدهورة، فضلاً عن غياب لبنان عن جدول أوليات الأصدقاء والأشقاء التقليديين، والذين كانوا يسارعون إلى التحرك ومساعدة اللبنانيين على تسوية خلافاتهم بالتي هي أحسن، لأنهم لا يثقون بالطقم الحاكم ولا بالمنظومة السياسية الفاسدة والفاشلة.

 

البرودة الخارجية التي قوبلت بها المبادرة البطريركية، لا تنفي أهميتها، ولا تُقلل من ضرورتها، في إطار البحث عن حلول لأزمات هذا البلد المزمنة، لأنها الورقة الوحيدة المطروحة على الطاولة حالياً، في ظل حالة التشنج والعناد المتحكمة بمواقف الفرقاء السياسيين، والكباش الشرس بين بعبدا وبيت الوسط، والذي يتكبد البلد أثمان مضاعفاته إنهياراً مستمراً في قيمة الليرة، وفوضى متفاقمة في مختلف القطاعات الإنتاجية، ومزيداً من التدهور والمعاناة في النواحي المعيشية للبنانيين.

 

ولكن انصراف الخارج عن المساعدة، بعد فشل المبادرة الفرنسية، يُحمّل الأطراف السياسية المسؤولية الوطنية والتاريخية، للإستنفار الفوري والسريع بحثاً عن تسوية مؤقتة، أو حتى حلولا مرحلية، توقف الإنحدار الحالي، وتخترق الجمود الراهن في حركة السلطة المتعثرة، وتستطيع الحد من الخسائر المتزايدة في هذه المرحلة العصيبة، التي سقط فيها لبنان من مصاف الدول المستقرة إقتصادياً إلى حضيض الدول المفلسة والمضطربة مالياً وأمنياً.

 

رُبَّ قائل أن الأطراف اللبنانية لا تملك وحدها مفتاح الحل في لبنان، لأن الجانب الأكثر تعقيداً، والمتعلق بسلاح حزب الله والإستراتيجية الدفاعية، ينتظر «تسوية خارجية ما» بين المحور العربي والغرب وإيران، وبالتالي لا يمكن التوصل إلى صيغة حل نهائي للأزمة اللبنانية قبل التوصل إلى حلول للملفات الإقليمية الساخنة، بدءًا من سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن.

 

هذا صحيح، ولكن الأصح أيضاً أن الوضع في لبنان يُعاني من حالة سرطانية سريعة في الإنهيار، ولم يعد بمقدور الجمهورية والنظام الإستمرار في قاعة إنتظار التسويات الكبرى، إلى أن يصل دور المساومات الطاحنة إليهم، لأن الإحتياطي بالعملات الصعبة يكاد ينضب، والفقر ينشب مخالبه في أعناق اللبنانيين، ونيران جهنم تأكل الأخضر واليابس في بنيان الإقتصاد الوطني والقطاعات الفاعلة، والدومينو اللبناني ينهار حجراً وراء حجر، وأهل القرار يرقعون في خريطة الحكومة العتيدة وزير من هنا، وحقيبة من هناك، وثلث معطل ولو على حساب خراب ما تبقى من مقومات الصمود في البلد.

 

لا يخجل أصحاب الحل والربط في الحكم من الوصول إلى مرتبة «الفشل الذهبي»، بعدما حوّلوا الجمهورية إلى دولة فاشلة، بكل المعايير، وفرّطوا بمميزات نظام إقتصادي ومصرفي كان يوماً يعتبر من الأنظمة الرائدة في العالم، وقلبوا صداقات لبنان التاريخية مع الأشقاء والأصدقاء، وخاصة مع السعودية وفرنسا، إلى خصومات عبر ممارسات غير مسؤولة، وتنازلات متلاحقة عن السيادة الوطنية، وحصانة القرار الوطني للدولة.

 

وعوض الإحتفال ببداية المئوية الثانية لدولة لبنان الكبير، عمدوا إلى وضع نهاية لمئة عام من التألق والتقدم،والإستقرار والإزدهار! ألا يحق للبنانيين، بعد كل هذه المآسي والنكبات، البحث عن حبال الهواء ولو في أجواء المؤتمر الدولي؟