%14 فقط من المواطنين يعتقدون ان المستقبل الاقتصادي سيكون أفضل
تتفاقم النقمة الشعبية مع تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تفشي فيروس كورونا، وغياب الإصلاحات الضرورية. فالحكومة لم تفِ بوعدها عندما أقرت خطة الإنقاذ الاقتصادية. والمواطنون الذين لم يلمسوا حتى اللحظة أي خطوة إصلاحية، فقدوا الثقة بالحكومة وبإمكانياتها لتحسين مستقبل لبنان. فكيف سينعكس هذا الواقع على اللبنانيين؟ وهل لا تزال هذه الخط٘ة صالحة حتى اليوم لحلّ الأزمة؟
أصبح من الواضح ان فيروس كورونا المستجد زاد من التحديات الاقتصادية على لبنان والدول العربية، ولكن مع فرق كبير، ففي الأخيرة لا تزال هناك فسحة أمل للسنوات المقبلة، أمّا في لبنان فالأمل مفقود. حيث بيّن المسح الذي أجرته مؤسسة KAS PolDiMed، ان هناك 14% فقط من المواطنين يعتقدون ان المستقبل الإقتصادي في لبنان سيكون أفضل. ذلك انه منذ بدء الأزمة في أواخر العام 2019 وحتى اليوم، لم يُطبق أي شيء من الخطة التي أقرتها الحكومة لإنقاذ الاقتصاد، والمفاوضات مع صندوق النقد لم تبدأ بعد. وعلى عكس مختلف الدول، فان لبنان لم يستفد من الفرصة التي أتاحتها جائحة كورونا للحكومات في جميع أنحاء العالم لإعادة بناء الثقة مع مواطنيها. إذ تشير نتائج المسح إلى ان الحكومات التي نجحت في التعامل مع الوباء، ستنال ثقة مواطنيها. في حين ان الشك بقدرة الحكومة في لبنان على السيطرة على الوضع، سيؤدي إلى زيادة الإحباط، وربما إلى استمرار الإضطرابات التي شوهدت في عام 2019 وأوائل عام 2020 قبل تفشي الفيروس. خطة الإنقاذ ممتازة
تظهر نتائج مسح KAS PolDiMed أن 26% فقط من اللبنانيين يثقون بالحكومة. حيث تعتبر هذه النتيجة هي الأدنى في استطلاعات “الباروميتر” العربي. وهذا يعود بحسب منسق الإدارة السياسية في حزب الكتلة الوطنية أمين عيسى إلى ان “الحكومة الحالية أو غيرها من الطبقة السياسية عاجزة عن تنفيذ أي إصلاح أو تغيير يمكّنها من إعادة ثقة المواطنين وإصلاح الأزمة الإقتصادية”. وبرأيه فان هناك 3 أسباب لهذا الفشل: أولاً، ربط مصير لبنان بالوضع الإقليمي. ثانياً، إن طريقة هذه الحكومة ترتكز على الزبائنية والمحاصصة والهدر والفساد. ومن المستبعد أن يقوم نفس الاشخاص الذين تسببوا في المشكلة منذ 30 عاماً، بإقرار خط٘ة إقتصادية مدروسة ومنظمة. ثالثاً، إنعدام رغبتهم في الإصلاح ومحاربة الفساد.
هجرة الأدمغة
هذا الواقع انعكس ارتفاعاً في نسب الراغبين في الهجرة. حيث يظهر المسح ان نسبة الذين يفكرون في مغادرة لبنان بلغت في العام 2020 حوالى 34%، مقارنة مع 26% في العام 2018. كما أعرب 89% من المرشحين الذين طالتهم الدراسة، عن ان الأسباب الاقتصاية هي السبب الاول للهجرة. وهذا ما يدل على “كارثة حقيقية”، بحسب عيسي. “فالثروة الأساسية في لبنان هي العامل البشري. حيث من المعروف ان اللبناني بارع في الكثير من المجالات. وإذا خُير أحد الشباب بين الهجرة أو البقاء في لبنان، فسيختار الهجرة طبعاً. خاصةً مع وجود حكومة لا تعطي أي بصيص أمل يحف٘ز جيل الشباب على البقاء وبناء مستقبلهم”.
دور المؤسسات غير الحكومية
في المقابل يظهر المسح ان هناك فرصة كبيرة للعمل مع الجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع. حيث تعتبر المجموعات التطوعية مثل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية المحلية والهيئات الوطنية… من بين أكثر المجموعات التي يثق بها المجتمع. وبحسب عيسى فان “المؤسسات غير الحكومية والهيئات الوطنية والنقابات تلعب دوراً أساسياً على جميع الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية، ولقد لمسها الشعب اللبناني عندما وقعت كارثة 4 آب”. وبالتالي “يمكن أن يكون تعزيز هذه المجموعات وسيلة لضمان سماع أصوات المواطنين، حتى تتمكن الحكومة من تلبية احتياجاتهم بشكل فعال. وعلى الحكومة في المقابل المساعدة في تمكين وتطوير المنظمات التطوعية، والعمل معها بشكل تعاوني بهدف معالجة المشاكل، ابتداء من تحسين الأنظمة الصحية خلال فترة كورونا، وصولاً إلى إيجاد حلول إقتصادية وإجتماعية.
صندوق النقد الدولي
غياب إصلاحات الحكومة وسوء الاداء السياسي والإداري لا يحفزان المواطنين على الهجرة فحسب، بل إنهما يرخيان بثقلهما على الثقة بمستقبل الاقتصاد. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال إعراب أقل من 1 في المئة من اللبنانيين عن ثقتهم بتحسّن الحالة الاقتصادية في الفترة القادمة مقارنة بالاشهر الـ 12 الماضية. الأمر الذي لم يترك أمامنا إلا خيار الاستعانة بصندوق النقد الدولي. “وهذا الصندوق ليس حلاً سحرياً ولا شراً مُطلقاً”، يقول عيسى. “فهو في النهاية مصرف، ويريد أن يضمن استرجاع أمواله. ولذلك أمامنا خياران: إما القبول بشروط صندوق النقد الدولي القاسية مثل رفع الدعم، والتي يمكن أن تطال الأسر الفقيرة. وإما أن تضع الحكومة خطوات فعالة وعادلة وترفعها إلى “الصندوق” مع الأخذ بالإعتبار الواقع الإجتماعي في البلاد”.
هناك الكثير من الذين استسلموا وفقدوا كامل الثقة وهاجروا، وهناك آخرون ما زال لديهم فسحة أمل صغيرة لإعادة بناء ما تهدم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمالي. وبحسب عيسى فان الحل الوحيد أمامنا هو “تشكيل حكومة من مستقلين سياسيين وأخصائيين أكفاء ومنحها صلاحيات إستثنائية موسعة تمكنها من تنفيذ خط٘ة إنقاذ الاقتصاد”.