Site icon IMLebanon

نظام الفساد والاستثمارات

 

 

وصل القطاع الخاص العالمي الى الفضاء مع برانسون وبيزوس وغيرهما، ونحن في لبنان لا نشكل الحكومات الا بعد جهد جهيد فيتدخل الخارج للمساعدة وأحيانا  للعرقلة.  كيف نبني دولة فاعلة عصرية صادقة منتجة في أوضاع وعقليات كهذه.  النظام السياسي اللبناني فاسد والجميع يعرف ذلك بمن فيهم الفاسدون أنفسهم.  فساد النظام عميق وقديم ويحمي نفسه والمشاركين فيه بقوة.  كسره ممنوع بالنسبة للطبقة السياسية ولا مجال للحلول الوسطى اذ أن النظام بني منذ عقود على حصة ال 100%.

 

الفساد موجود في لبنان في كل مكان ولكن بدرجات مختلفة تبعا لأهمية المواضيع والاستثمارات والدولارات.  الفساد موجود افقيا وعموديا وبدرجات مختلفة تبعا لدقة المؤسسات والمهمات والتوقيت.  ليس الجميع فاسد طبعا، انما قوة الفساد تفوق أي قوة لجهة عامة أو خاصة ترغب في الاصلاح.  يشارك «الاصلاحيون» في الفساد أو يخرجون من النادي العام المتضامن والقوي.  الفساد لا يعني فقط سرقة المال العام، بل هو أعمق وأشمل وله أوجه مختلفة.  يدخل في الفساد عدم القيام بالواجب واستغلال المواطن وسرقة حقوقه المدنية وعدم احترامه في الدوائر الرسمية والعمل المنظم لتيئيسه وابتزازه عندما يحاول القيام بالمعاملات العامة.  الفساد كبير وشامل ومتضامن ولا يمكن الفوز عليه الا بكسر النظام كله دفعة واحدة، وهذا ما عجزنا ونعجز عنه في لبنان.

 

جميعنا يعرف أن الفساد كبير وقديم وعميق في لبنان، الا أن ما ظهر مؤخرا يطرح الموضوع بقوة بل يجب أن يطرحه على الرأي العام الداخلي والدولي بسبب خطورته:

 

أولا: انفجار 4 آب الخطير حيث نعجز حتى اليوم على فهم أسبابه وهوية المشاركين به والمسؤولين عنه.  الافتراضات عديدة وما زالت هي هي منذ العام الماضي.  طريقة تعامل القطاع العام مع القضية ومع المصابين في الروح والجسد والماديات مقلق، ولا يدل على الشعور بالمسؤولية بل لا يدل على الاهتمام والشعور مع اللبنانيين المصابين الذين لا تكفيهم ندرة البنزين والمازوت والدواء والغذاء والدولار وغيره.  المصائب تتراكم مع الانفجار وقبله كما بعده.

 

منذ سنة ونشعر كرأي عام ان هنالك نية لتغطية الأسباب والالتفاف حول الموضوع لعل الناس تيأس وتسحب أصواتها البريئة من الساحات بالرغم من خساراتها الكبيرة في الأرواح أولا.  ما يجري من محاولات لابقاء الحصانات غير مقنع ويشير الى استهزاء السياسيين بعقل المواطن قبل حقوقه.  هنالك وقاحة علنية واضحة بل عدم احترام لقدرة المواطن على الفهم والتفكير والتحليل.  النظام الفاسد يحمي نفسه علنا ودون خجل ولا يمكن أن يقبل بتخفيف المنافع القانونية التي يتمتع بها الأعضاء.  نظام الفساد قوي جدا وأظهر تماسكه بوضوح وعلنا وبكل جرأة ولن يقبل باضعاف نفسه وأعضائه مهما بلغت التكلفة.  النظام يستمر كما هو أو ينكسر كليا، وبالتالي خيار مجلس ادارة النظام كان وسيبقى واضحا وعلنيا.

 

ثانيا:  فرصة ثورة 17 تشرين كانت كبيرة وواضحة وكسبت عطف الرأي العام الذي يعاني بصمت ويأس.  فرصة 17 تشرين كانت ستنجح لو واجهت النظام بالطرق الديموقراطية التي تجدي.  تعدد الأصوات وتشتتها بالاضافة الى الخلافات الواضحة حول الأولويات الممتازة أضعفها كما أتت شبهات الفساد لتضعف صوتها تجاه الرأي العام.  عندما يشك المواطن بوجود فساد، لا يذهب الى التحقيق فيه بل ربما يعتمد ما سمعه كحقيقة في مجتمع صغير تنتقل المعلومات أو الأراء داخله بسرعة.  ما زلنا ننتظر قيام جبهة معارضة واحدة بقيادة من 5 أشخاص يواجهون نظام الفساد العميق بسرعة وبالطرق الديموقراطية أي في الانتخابات النيابية القادمة.  خسارة المعارضة في المنافسة الانتخابية ستكون مكلفة جدا للبنان.  مواجهة النظام العميق بتشتت وضياع وسؤ تنظيم سيخسرها الانتخابات المقبلة وسيستمر النظام الحالي في العمل بل ستزداد قوته مع الوقت والمال.  فرصة كبيرة قادمة يجب التحضر لها.

ad

 

مجددا يجب أن نعلم أن نظام الفساد قوي جدا ومتضامن ومتماسك كما تدل عليه معركة رفع الحصانات، وبالتالي من الضروري أن نفهم الركائز التي بني عليها منذ سنوات بل ربما عقود لتحسين خطة المواجهة الديموقراطية والاعلامية كما الاعلانية:

 

أولا:  التعيينات حيث قامت فروع النظام بتعيين أهم المسؤولين في لبنان من قضاة واداريين ومسؤولين ماليين وأمنيين وغيرهم.  طبعا يتم انتقاء الأشخاص عبر الشروط التي يريدها المعين أي شروط الولاء لمن عينهم.  هنالك دائما استثناءات، أي يعين شخص لمزايا سلبية معينة، فتأتي الحقيقة مختلفة جدا أي يكون المعين متمتعا بالكفاءة والنزاهة والوعي والرؤية والاستقلالية وبالتالي يفاجئ السياسيين.  هؤلاء ليسوا قليلين، وهم الذين يبقون البلد يعمل ضمن الشروط الدنيا التي منعت حتى الآن السقوط الكبير.

 

ثانيا:  المستثمرون في نظام الفساد الحالي يكونون من فروع النظام أي «اليد الخاصة» ضمن الهيكلية العامة.  كما يمكن أن لا تكون علاقة لهم بالنظام، فيضطرون لمشاركة من هم داخله لتسهيل المعاملات.  هذا يعني تمويل السياسة والادارة كي يستطيعوا بناء المصانع أو المعامل أو الشركات المختلفة.  أما البريء كليا، فللأسف من الصعب جدا عليه أن ينجح في نظام قوي متماسك يستطيع حماية نفسه فتبقى استثماراته صغيرة أو تهاجر.  الاستثمارات تكون اذا اما من داخل النظام أو لا تكون، وبالتالي النظام الحالي هو سد منيع في وجه الاستثمارات ولن يساوم.

 

ثالثا:  الحل الأفضل للوضع الحالي هو تسلم الجيش اللبناني السلطة بالاتفاق مع القيادات السياسية واجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدها.  هذا يطمئن المواطن الى سلامة العملية الانتخابية التي ربما عبر نتائجها تساهم في بناء لبنان الجديد.  اذا لم يكن ذلك ممكنا لأن مثلا لا رغبة للسلطة الحالية في تسليم الجيش، على قوى المعارضة تنظيم نفسها منذ اليوم للمواجهة الديموقراطية بكل ذكاء وفعالية ووضوح.  المهم أن تتم الانتخابات، اذ خطر التأجيل يبقى ممكنا وهذا أسواء الاحتمالات.

 

الحل العملي اليوم هو أن تتوحد قوى التغيير في هيكلية سياسية مرنة ونشطة وتكون مرشحة في كل الدوائر بلوائح واحدة كي تفوز.  القوى التغييرية موجودة ونشطة لكنها لا تعطي الانطباع أنها قادرة على مواجهة نظام الفساد العميق.  يجب أن نعلم أن النظام الحالي لا يتوقف فقط على الأشخاص الموجودين فيه حاليا، بل يتجدد ويجدد نفسه بأشخاص ربما يكونون أكثر دهاء وخطورة من القيادات الحالية.  ايجابيات معركة الحصانات أنها أفهمت اللبنانيين أن التغيير صعب وأن النظام أقوى مما نعتقد وبالتالي التحضيرات للمواجهة الديموقراطية يجب أن تكون أشد وأسرع مما يجري.