Site icon IMLebanon

معاناة لبنان كبيرة

 

الجميع يعرف أن لبنان يعاني. المشكلة أن المعاناة متشعبة، وهي حتما ليست اقتصادية فقط.  هنالك انعكاسات خطيرة على الاقتصاد يأتي من سوء الاداء السياسي والاداري والأخلاقي على مدى عقود من الممارسات المسيئة للبنانيات واللبنانيين.  حتى لو وقعنا اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فهي لن تنقذنا بل تساهم في تخفيف بعض الأوجاع أو تغير نوعيتها وأشكالها وحدتها. التوقيع مع الصندوق ضروري للانتقال الى مراحل علاقات ومساعدات مختلفة في النوعية والتوقيت والقيمة والتشعب. لبنان يعاني في وقت يغرق العالم أجمع في مشاكل كبرى مهمة جدا لكل دولة ولا تستطيع هذه الدول مواجهتها، فكيف لها أن تهتم بمشاكل الغير. مشكلتنا في لبنان تزداد في وقت لا نشعر برغبة الغير في المساعدة ليس فقط لأننا لم نقم بما يجب علينا القيام به، بل أيضا لأن هذه الدول تواجه في داخلها مشاكل كبرى سياسية أمنية اقتصادية اجتماعية صحية وغيرها لا تستطيع هي في معظم الأحيان ايجاد الحلول لها. الصراعات الكبرى الداخلية ظاهرة حتى في أهم الدول بدأ من الولايات المتحدة الى فرنسا وبريطانيا وكافة الدول الأوروبية.

اللبناني يعاني من العديد من الأمور في البنية التحتية خاصة الكهرباء والفوقية خاصة في الصحة والتعليم. اللبناني يعاني من الكورونا والدولار وغلاء المعيشة. لنقول أننا نعاني أسفا من كل شيء، والأسوأ أن الأفق ليس أبيض بل رماديا في أحسن الحالات.  ما هي أهم الأمور التي نعاني منها اليوم؟ لنقلها بصراحة أننا لن نستطيع حل كل مشاكلنا دفعة واحدة لكثرتها ولغياب القيادات المناسبة ولضعف الوسائل المتاحة. الخطط الطويلة الأمد وضعت والتنفيذ لم يحصل. الخطط القصيرة الأجل وضعت، والتنفيذ لم يحصل. فلنكتف اذا بما يمكننا حله أو التقرب من الحل قدر الممكن. فلنتواضع تجاه الحلول والامكانيات والفرص التي ضاقت ولن تتوسع قريبا.

أولا: هنالك مشكلة ثقة بين المواطن والمسؤول في لبنان ولا يقتصر الوضع على شخص أو شخصين. غياب الثقة يطال كل جوانب النظام، واذا أنكرنا هذه الحقيقة لن نستطيع التقدم. الثقة تبنى بصعوبة ونقول انه لا توجد حتى محاولات لبناء الثقة أو اعادة بعضها وكأن اليأس ضرب المسؤولين الذي في داخلهم يعلمون انه من المستحيل اعادة هذه الثقة او حتى بناء أخرى جديدة. حتى المحاولات غائبة وهذا في غاية الخطورة والتشاؤم. المسؤولون اليوم لا يقدمون الحلول بل يكتفون بالقول إن البديل عنهم عمليا غير موجود وبالتالي تقبلون بنا كيفما كنا. الجهود لا تبذل للاصلاح والمواطن يرى هذه الأمور المقلقة الواضحة ويشعر حتما بالغضب.

مشكلة الثقة مرتبطة بمواضيع الفساد والشفافية والحساب والعقاب التي لم نتقدم بها. يتكلم المسؤولون عنها في كل المناسبات، لكن التقدم على الأرض غائب بينما الحاجة كبيرة جدا لخطوات شجاعة نوعية تحل المشكلة. التعيينات القضائية هي جزء من المشكلة والتجاذب الحاصل حولها في هذه الظروف الخطيرة لا تفهم بل حتما غير مبررة. المشاكل مترابطة بعضها ببعض والحلول معقدة بالرغم من أن الطريق واضحة للمسؤولين الذين لا يريدون المغامرة في سلوكها لأنها تضر بمصالحهم المترابطة. التعيينات الادارية هي صورة عن تفكير المسؤولين. بالرغم من أن بعضها جيد الا أنها في مجموعها لم ترض اللبنانيين وما زالت غير كافية وغير شاملة. هنا يكمن الدور الغائب أو الخجول لوزارة الاصلاح الاداري التي هي استشارية لكن يجب أن تلعب دورا علنيا أكبر وأقوى والا ما الحاجة لها؟

ثانيا: الكورونا التي كنا ناجحين في مواجهتها وأعلنا الفوز بشكل أو آخر وشهد العالم لنا بها. نكتشف اليوم أن ما قمنا به كمجتمع غير كاف ويظهر أننا سنواجه أزمة كبرى شبيهة بما حصل في اسبانيا وايطاليا وغيرهما. مشكلة الكورونا كبيرة وأكبر حتى من قدرات أهم الدول ونرى يوميا ما يحصل في الولايات المتحدة وأوروبا والبرازيل والهند والصين وغيرها. لا بد من أخذ الموضوع جديا ليس فقط من الجهات الرسمية انما منا نحن كمواطنين وجمعيات وشركات وغيرها لأن النهوض الاقتصادي لن يحصل مع الكورونا، بل الفقر والخراب سيأتيان منها. هنالك فارق مهم بين مواجهة الكورونا مع الاقفال والمواجهة من دون اقفال أو مع بعض التنفس. فلنحاول النجاح مع الخيار الثاني لأن الأول مكلف جدا ولا نستطيع تحمل النتائج في أوضاعنا الاقتصادية والمالية المتعثرة.

ثالثا: التعليم وهو موضوع مهم ليس حاضرا وانما خاصة للمستقبل.  هنالك مشكلة تواجهنا هذه الأيام وهي الاستعداد لفتح السنة الدراسية في المدارس والجامعات. هذا الموضوع هو من أهم التحديات التي تواجهنا اذ يربط أوضاع الأهل بالطلاب والمؤسسات التربوية أي قلب المجتمع. هنالك مشكلتين على الأقل مالية وتعليمية. المشكلة المالية تكمن في عدم قدرة الأهل على تسديد الأقساط وعدم قدرة المؤسسات على تأمين الواجبات من دون ايرادات كاملة أو كافية. الموضوع واضح وهو حلقة مفرغة في غياب المساعدات الكافية للجميع. أما المشكلة التعليمية فهي تكمن في نوعية التعليم عن بعد. فهو حتما قسري لكن لا يمكننا الاكتفاء به علما أن أهمية التواجد في الصفوف تفوق بكثير التعليم، بل الفوائد هي اجتماعية نفسية أخلاقية ربما تفوق أحيانا التعليم بحد ذاته. صداقات وعلاقات العمر والحياة الصادقة تبنى على مقاعد الدراسة.

رابعا: الدولار وغلاء المعيشة حيث سعر الدولار الثلاثي مضر بالاقتصاد وبمعيشة المواطنين. اللبناني يقبض بالليرة ويدفع بالدولار وكيف ما كان السعر، يفقر المواطن وهذا حالنا جميعا الا أقلية صغيرة فقط دخلها بالعملة الأجنبية. أسعار السلع مرتفعة والتسعير بالدولار المرتفع صعودا يرهق اللبناني خصوصا وأن التسعير لا يتبع الدولار نزولا. هنالك مشكلة نوعية أيضا، وهنا لا بد من التنويه بجهود مدير عام وزارة الاقتصاد ومتابعته موضوع النوعية من دجاج وسمك وغيرهما بدقة في محلات البيع ومن الضروري أن يقوم بجهود مماثلة جميع المسؤولين مهما كانت رتبتهم ومهما كان مركزهم. الرقابة على الأسعار مع العقاب الذي لم نشهده بعد ضروري والكلام لم يعد يكفي ولا بد من الجدية أكثر على كافة المستويات. هنا لا بد من القول أن عملية الدعم للسلع مهمة، الا أن قدرتنا على الاستمرار بها لأشهر طويلة مشكوك بها. من الأفضل الانتقال الى دعم الأسر اللبنانية مباشرة أي 80% منها وترك الأسعار حرة ولا شك أنها أقل تكلفة على الدولة وتوجه الدعم الى من يحتاج اليه.

خامسا: البطالة التي ترتفع لأسباب معروفة والتي تؤثر على معنويات المواطنين حتى الذين يعملون. البطالة هي فقر ونفسية ومعنويات، وبالتالي المعالجات حتى اليوم خجولة جدا. يمكن عمل الكثير بالجهد السياسي والاداري، وان لم تكن الامكانيات المادية الكافية متوافرة. موضوع البطالة مرتبط حكما بالاستثمارات والنمو، وبالتالي لن تحل المشكلة قبل النهوض بالاقتصاد. الا أنه من الممكن جدا تخفيف الأوجاع عبر الجهود المناسبة التي تتوجه الى العمال خاصة العاطلين عنه. تخفيف الوجع عبر السياسة والعناية مهم جدا.

مشاكل لبنان لا تقتصر على ما ذكرنا أعلاه، اذ إن مواضيع النقل الداخلي لا تقل أهمية.  شراء السيارة الخاصة أو تبديلها أصبح مكلفا على المواطن أكثر من السابق بسبب الدولار وبالتالي توافر النقل العام النوعي واجب. أما مواضيع البيئة والنفايات، فلا تخف حدة الا لتعود من جديد لتؤثر على صحة اللبناني الذي لا يكفيه ما يعاني منه. ننتقل في لبنان بالاضافة الى ما سبق من أزمة الى أخرى بدأ من الخبز الى أزمات البنزين والمازوت الدورية الى أزمة الكهرباء المستمرة وأزمات المياه وغيرها. فعلا نعيش في ظروف لا نحسد عليها خاصة وأن الاهتمام بالحلول غير كاف، وهنالك لا شك تقصير وإهمال واستلشاء. لن تتغير هذه التصرفات اذا لم نبدأ كمواطنين بالحساب في الانتخابات النيابية وغيرها.