يئنّ الصيداوي محمود عفارة من الألم، يكاد ينهار من التعب، ولكنّه يقاوم. وقد اختار التوجّه إلى إحدى صيدليات المدينة لسؤال الصيدلي عن حالته الصحّية بغية وصف الدواء اللازم له، بدلاً من زيارة الطبيب المختصّ أو أحد المستشفيات أو عياداته التخصّصية كما كان الحال سابقاً.
ويقول عفارة لـ»نداء الوطن»: «إنّ السبب هو عدم قدرتي على دفع كلفة المعاينة الطبّية وشراء الدواء معاً، أصبحت مع الأزمة الإقتصادية أبحث عن البديل ومنها الذهاب إلى الصيدلي لتوفير «كشفية» الطبيب وشراء الدواء كما تفعل عائلات متعفّفة كثيرة في زمن الفقر المدقع». ويضيف بحسرة : «من يريد العلاج على الأصول فعليه أن يدفع ما فوقه وتحته وبالكاد يكفي، قررت أن أختصر الطريق إلى الدواء مباشرة»، معتبراً أنّه «بعد جائحة «كورونا» وكثرة الأمراض بات الصيادلة مُخضرمين ولديهم خبرة لا يُستهان بها».
وعفارة نموذج حيّ عن مرضى فرضت عليهم تداعيات الأزمة الإقتصادية بدائل لا يريدونها، مع طول أمدها وارتفاع الأسعار وانهيار منظومة الأمن الإجتماعي والغذائي والمالي وحجز المصارف على أموال المودعين، ولم يسلم منها القطاع الصحّي الذي يبدو وكأنّه يحتضر مع تخلّف الدولة عن تسديد مستحقّات المستشفيات وهجرة الأطباء والممرّضين في فترة مواجهة «كورونا».
ويقول الصيدلي شفيق الحبال لـ»نداء الوطن»: «إنّ السبب ليس عدم الثقة بالطبيب المختص أو المستشفى وإنما الإستعانة بخبرة الصيدلي لتوفير المال، لا سيّما أنّ فحص المرضى يتلازم أحياناً مع طلب فحوصات طبية وكلاهما مكلفان ولا طاقة لكثيرين على تحمّلهما». وإذ وصف حبال الظاهرة بأنّها باتت «طبيعية في لبنان إرتباطاً بتفاقم الأزمات»، أكد «أنّ ذلك يساهم بارتفاع نسبة الأمراض بين المواطنين بعدما باتوا يضحّون بصحّتهم لتأمين ما تيسّر لهم من طعام وشراب، حتّى أنّ بعضهم أصبح يلجأ إلى وسائل أخرى مثل سؤال مريض سابق أو الأهل أو الجيران، بغضّ النظر عن المخاطر الصحية».
توازياً، فإنّ المستوصفات تشهد زحمة مرضى من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية، فالأزمة أسقطت فكرة من يذهب الى المستوصف يشعر بالخجل، ويعتبر نفسه أقلّ من غيره مادياً، وبات المرضى يفضّلون التوجّه إليها بعد حجز مواعيد ليعاينهم أطباء أخصائيون وفي بعض الأحيان لحصولهم على الأدوية مجّاناً أو بسعر رمزي، بعد قرار نقابة الأطباء رفع بدل الحدّ الأدنى للمعاينة للطبّ العامّ الى 450 ألف ليرة وللطبّ الإختصاصيّ الى 650 ألفاً، فيما يتقاضى بعض الأطباء ما بين 800 ألف ليرة ومليون ليرة.
وتشرح الحاجة هنادي العرّ لـ»نداء الوطن» أنّها زارت المستوصف «لإجراء كشف طبي على قلبي بعدما شعرت بضيق في التنفّس والتعب وعدم قدرتي على صعود السلالم، بسبب توقّف المصعد لانقطاع الكهرباء، بدل المعاينة رمزي ولا يصل الى كشف طبيب القلب الذي يتراوح بين 800 ومليون ليرة لبنانية ولا قدرة لي على دفعها، خاتمة «الحمد لله طلع عارض بسيط وحصلت على الدواء مجاناً».
بين مشهدي الصيدليات والمستوصفات، عاد الطبّ البديل والتداوي بالأعشاب ليزدهر بدلاً من الأدوية والأسباب كثيرة، ليس فقط ارتفاع أسعارها أو فقدانها من الأسواق وإنما لايمان المرضى بأهمّيّة الطبّ البديل، على قاعدة «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
ويقول صاحب «عطّار زمان» محمد الكوسا لـ»نداء الوطن»: «العطارة كانت ملجأ الفقراء قبل الأزمة، اليوم أصبحت ملاذ معظم أبناء الطبقات الاجتماعية الذين يبحثون عن أدوية تشفيهم وتخفّف آلامهم لتوفير كل ليرة من مدخولهم في سبيل تأمين المتطلبات الحياتية الأخرى».