تحوّلنا منذ أسابيع عدة، من اقتصاد محاولة إعادة النمو، واقتصاد مواجهة أكبر أزمة إقتصادية، إجتماعية ومالية في تاريخ العالم، إلى إقتصاد الحرب والخوف والقلق والتجميد والتحذير، وما يُسمّى إقتصاد الحرب الباردة. فهذا النمط المخيف وغير المستقر، يُجمّد ويشلّ الأسواق، ويوقف الإستثمارات، وتُصبح الأولوية بناء إستراتيجيات لمحاولة حماية الحياة.
لا شك في أنّ هناك مخاطر كبيرة من تحويل الحرب الباردة إلى حرب ساخنة، وأيُّ شرارة يُمكن أن تولع نيران الحرب المدمّرة. لكن في هذا المقال، سنُركّز على ما هي التداعيات، إذا استكملت الحرب الباردة على المدى المتوسط والبعيد، الذي هو السيناريو الأفضل في الوقت الحاضر؟
إنّ اقتصاد الحرب الباردة، يُوقف ويُجمّد قبل أن يُهرّب، كل المشاريع والإستثمارات الداخلية والخارجية. في الوقت ذاته، تُهرّب الأموال والعملات من كل المنطقة، إضافة إلى ذلك، تُجمّد التوظيفات وترفع البطالة إلى آفاق مخيفة، ليس فقط في لبنان بل في المنطقة الشرق الأوسطية ككل.
إن الحرب الباردة، تُوقف الحركة السياحية ونشاط النقل من المنطقة الساخنة وإليها، فانحدار الثقة بهذا الشكل، ستستمر سنوات لإعادة بنائها، لأنّ الهلع والخوف لا يُنسيان بسهولة. أما الدماء والبكاء، فلن تجف أيضاً، قبل عقود. فإذا أُقفلت المطارات والمرافئ والمعابر، ستكون الكارثة الأكبر، لأنّ لبنان سينقطع عن العالم، من دون أي مكوّنات للمواجهة. لكن في ظل الحرب الباردة، وتحذير شركات الطيران الدولية من الهبوط في بيروت، فإنّ هذا الأمر سيكون له تداعيات كارثية ايضاً، للجمود الإقتصادي والتبادل التجاري.
من جهة أخرى، إذا كانت الإستراتيجية المدمّرة هي لعزل لبنان، علينا أن ننظر بدقّة إلى قطاع الإتصالات والإنترنت، فقطعُها سيكون ضربة قاضية لمن يُحاول المواجهة. إن إقتصاد الحرب سيحدُّ من حركة البواخر، ولا سيما بواخر الفيول التي ستُخفّف ممّا تبقى من تأمين التيار الكهربائي، أكان من شركة الكهرباء المهترئة، أو حتى من المولّدات الخاصة. فإقتصاد الحرب سيخلق سوقاً موزية جديدة، وسيُعزّز التهريب والإقتصاد الأسود، على حساب الإقتصاد الأبيض، وما تبقّى من الشركات الشفّافة.
فالحرب الباردة، حتى لو لم تتحوّل إلى حرب ساخنة في لبنان، فسيكون لها تداعيات كارثية في كل القطاعات الإنتاجية، وحتى في الحياة اليومية، خصوصاً إذا ما استمّرت شهوراً عدة بل سنوات أيضاً. وإذا، لا سمح الله، تحوّلت إلى حرب ساخنة وشاملة، فلن تُشبه الحروب السابقة، لأن لبنان وشعبه واقتصاده وشركاته وقطاعَيه العام والخاص، قد خسر كل مكوّناته، للمرونة والصمود والمواجهة، وحتى إعادة الإعمار.
إن الشعب اللبناني مكسور ومنهوب ومذلول، كما أن الشركات اللبنانية متعثّرة، أما مؤسسات الدولة، فهي مهترئة حتى قبل أي ضربة موجعة. إن لبنان قد خسر ذراعه الدولي والعربي، ولن يحصل على سنت واحد لإعادة إعمار حجر واحد، أو استبدال زجاجة، وأي خراب مادي قد يقع، لن يُعاد بناؤه لسنوات طويلة، هذا إذا حصل.
فلبنان واللبنانيون غير مهيّئين لمواجهة أي حرب أكانت أخلاقياً، معنوياً جسدياً، مادياً، مالياً، نقدياً، إقتصادياً وحتى إجتماعياً. فاللبنانيون خسروا عزيمتهم وعاطفتهم، وثقتهم، وخصوصاً أصدقاءهم وحلفاءهم، وكل مكوّنات الدفاع المالية، النقدية، الإقتصادية والإجتماعية.
في المحصّلة، إننا اليوم في لبنان والمنطقة، على مفترق طرق. إن الحرب الباردة سيكون لها تداعيات مخيفة، أما الحرب الساخنة فستكون ساحقة ومدمّرة. الحل الوحيد يكمن في السلام المستدام في المنطقة، والإستقلال والإستقلالية لكل البلاد والشعوب. علينا في لبنان أن نكون حمامات السلام، ونُركّز على مكوّناتنا الثقافية والإبداعية لنصدّر ليس فقط أفكارنا وابتكاراتنا، لكن روح التعاطف والمحبة والسلام.