Site icon IMLebanon

إحتساب الخسائر المالية وكيفية توزيعها… تفصيل بسيط أم جوهر التسوية؟

 

الأنظار مشدودة إلى موقف الحكومة العتيدة من خطة التعافي والاقتراحات النيابية والمواقف المصرفية

في الطريق إلى السراي الحكومي مسار طويل مزروع بالألغام الاقتصادية. بعضها قديم، كالكهرباء والتهريب والفساد، تعتليه طبقات من الرواسب تحميه من الانفجار سريعاً. أما بعضها الآخر فحديث، ويتمثل بحجم الخسائر وكيفية توزيعها، وهو معرض للانفجار في وجه الحكومة والبلد فوراً عند أي “دعسة” خاطئة.

 

لم يقتصر فشل الحكومة المستقيلة على العجز في إيجاد المخارج للأزمة الاقتصادية، بل بخلت حتى في رسم خريطة لمكان الالغام، تسهّل على خليفتها نزعها سريعاً، وتوفير أرضية نظيفة تنطلق منها في التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من جمعها لخبرات العالم واستعانتها بشركات استشارات دولية لكل مهمة، فلم تستطع الحكومة السابقة تلبية أحد أهم شروط الصندوق بضرورة توحيد أرقام الخسائر والاتفاق على طريقة احتسابها وتوزيعها لاستكمال الجلسات. وعلى هذا الأساس علقت المفاوضات مع “الصندوق”، وانصرفت الحكومة لإعادة النظر في الخطة الحكومية للتعافي المالي في إطار سعيها الى توحيد ارقام الخسائر. من ثم عادت واستقالت على خلفية انفجار المرفأ، تاركة مقاربتين اساسيتين: الاولى، مقاربتها مع لازارد التي تقدّر الخسائر بـ 241 ألف مليار ليرة تحمّلها بشكل أساسي للمصرف المركزي والمصارف التجارية، ومن خلفها المودعين. والثانية هي للجنة المال النيابية وفريق المصارف، تحدد الخسائر بين 81 و 150 ألف مليار ليرة. فهل تتبنى حكومة الحريري أحد الخيارين أم تنطلق من الصفر، أم تجد حلاً وسطياً يرضي جميع الاطراف؟

 

المقاربة ستكون جديدة

 

يجزم احد المعنيين في فريق المفاوضات السابق مع صندوق النقد الدولي ان “الحكومة الجديدة ستكون لها مقاربة جديدة لا تشبه خطة التعافي الاقتصادي للحكومة السابقة. وهي ستستأنف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي انطلاقاً من متطلبات الورقة الفرنسية والتركيز على الاصلاحات المطلوبة، مع إغفال متعمد لجوهر الأزمة الأساسي، المتعلق بخسائر مصرف لبنان والمصارف التجارية وكيفية توزيعها”. وبرأيه فان “مصالح الطبقة السياسية المؤلفة من رجال أعمال وأصحاب بنوك تتعارض مع تحميل المصارف النسبة الاكبر من الخسائر. وهي ستحاول جهدها للإلتفاف على هذا الموضوع بشتى الوسائل”. إلا ان النتيجة ستكون من وجهة نظره “تضييع المزيد من الوقت، والعودة إلى نقطة الصفر بعد رفض المجتمع الدولي المساعدة جراء عدم الوضوح والشفافية”.

 

المشكلة التي ستواجهها الحكومة الجديدة لن تنحصر في كيفية احتساب وتوزيع الخسائر فقط، بل بارتفاعها بنسبة كبيرة عما كانت عليه في شهر آذار الفائت، تاريخ وضع الخطة. فقد أضاف انفجار المرفأ إلى مجمل الخسائر المحققة ما لا يقل عن 8 مليارات دولار، بشكل مباشر وغير مباشر. كما أن إنخفاض الناتج المحلي عن 33 مليار دولار بحسب أرقام لجنة تقصي الحقائق النيابية، وخسارة الليرة اكثر من 80 في المئة من قيمتها سيؤديان إلى زيادة الخسائر. حيث يرتب تراجع الناتج المحلي تخفيضاً أكبر في حجم الدين للوصول الى نسبة المعدل المطلوب، والمحدد بـ 100 في المئة من حجم الناتج. الأمر الذي سيسبب المزيد من الخسارة على حاملي السندات باليوروبوندز والليرة اللبنانية، والذي سيجعلنا “نترحم على رقم 241 مليار ليرة”، بحسب المصدر. “فمع كل يوم تزيد الخسائر أكثر. وأنا سأكون متفاجئاً في حال موافقة صندوق النقد الدولي على خطة تقلل الخسائر المحققة. خصوصاً ان فريق اعداد خطة التعافي مع “لازارد” كان قد خفف من حدة الارقام، ولم يمحُ كل الخسائر وتحديداً على مصرف لبنان”.

 

الاقلاع قبل التنظيف

 

“الإنطلاق من مبدأ تنظيف القطاع المالي سيفوّت على لبنان مرة جديدة إمكانية النهوض سريعاً والعودة إلى النمو”، يقول عضو لجنة المال والموازنة النيابية النائب نقولا نحاس. “فالمطلوب من الحكومة التي ستنطلق من 30 بنداً اصلاحياً، إعادة تفعيل العجلة الاقتصادية والإقلاع بالاقتصاد قبل البدء بورشة التنظيف”. وذلك لن يتم برأيه إلا من خلال العمل على استعادة الثقة أولاً، واعطاء الاقتصاد مقومات النهوض ثانياً، واسترجاع قدرته التنافسية ثالثاً. “فالمرحلة المقبلة دقيقة جداً، وإذا لم يتم العمل جدياً على تطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات.. فان لبنان سيخسر موارده المالية”، من وجهة نظر نحاس. “لانه حتى لو استطاع استعادة الثقة، فلن يستعيد الفوائد المرتفعة التي كانت تمثل عنصر الجذب الاهم للتدفقات النقدية من المغترب والاجنبي والمقيم في الخارج. وعليه يجب العمل على تطوير الاستثمارات لضمان استمرار جذب التدفقات الأجنبية بالعملة الصعبة. وبقدر ما ننجح بتقوية عوامل جذب الاستثمارات بقدر ما نجذب الأموال من الخارج”.

 

وبحسب نحاس فان “أرقام الخسائر المالية على أهميتها تصبح تفصيلاً في حال استعاد الاقتصاد عافيته ومعدلات نموه المقبولة”.

 

عود على بدء

 

موقف لجنة المال والموازنة النيابية، التي يشكل نحاس أحد أعمدتها، كان واضحاً في الفترة الماضية لعدم جواز احتساب كل الخسائر المترتبة عن توقف الدولة عن سداد ديونها دفعة واحدة. وعدم منطقية تحميل مصرف لبنان والمصارف التجارية كل الخسائر المترتبة. وقد توصلوا إلى:

 

– خفض قيمة خسائر القروض المتعثرة في القطاع الخاص من 40 ألف مليار ليرة، مقدّرة في خطة الحكومة، الى 14 ألف مليار.

 

– تخفيض حجم الخسائر المتراكمة في ميزانية مصرف لبنان من 66 ألف مليار الى 4 آلاف مليار فقط، بعد اعادة تقييم الذهب ورأسمال البنك المركزي والعملة المطبوعة غير الموزعة.

 

– رفض اقتطاع نسبة 40 في المئة من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، لانه في حينها كانت هذه السندات قد خسرت بالفعل 65 في المئة من قيمتها نتجية تدهور سعر الصرف.

 

– طلب تخفيض الخسائر الناتجة عن ودائع المصارف في مصرف لبنان من 89 ألف مليار ليرة إلى 45 ألف مليار وذلك بعد استثناء الايداعات لآجال تفوق 7 سنوات من الاحتساب.

 

بيد ان جزءاً كبيراً من هذه المقاربة فقد صلاحيته اليوم، وتحديداً في ما يتعلق بسعر الصرف المعتمد وحجم الناتج المحلي الإجمالي الذي قدّرته خطة الحكومة بـ 26 مليار دولار، فيما اعتبرت اللجنة انه لن يتدنى عن 33 ملياراً. وبرأي أحد المعارضين لعمل لجنة المال فان “اعتبار الورقة الفرنسية منطلقاً للعمل لن يعفي المصارف ومصرف لبنان من تحمل المسؤولية، خصوصاً ان الرئيس ماكرون في خطابه الأخير كان واضحاً لجهة إجراء التدقيق الجنائي في المصارف التجارية إلى جانب مصرف لبنان.

 

في الشكل قد تكون مهمة الحكومة العتيدة أسهل، كون رؤيتها المالية قد لا تتعارض مع لجنة المال والموازنة النيابية. ولكن في المضمون، هل يوافق صندوق النقد الدولي على هذه المقاربة بعدما رفضها مع الحكومة الماضية؟ وفي هذه الحالة هل من امل لمتابعة العمل بـ “المبادرة الفرنسية”، خصوصاً ان كل مقومات نجاحها مرتبطة بعقد اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي؟ أسئلة كثيرة لن يجيب عنها سوى شكل الحكومة المقبلة وطريقة عملها، وغداً لناظره قريب.