Site icon IMLebanon

المؤسسات تتهاوى والبلد يتجه نحو البؤس

 

يوماً بعد يوم، تطول لائحة المؤسسات التي تقفل أبوابها وتُسرّح موظفيها. ورغم غياب الاحصاءات الرسمية، هناك معلومات عن حوالى 80 ألف موظف سابق انضمّوا أخيراً الى نادي العاطلين عن العمل. فإلى أين يتجه البلد؟

في خضمّ مسرحية التدقيق الجنائي التي تؤدّيها السلطة التنفيذية والتشريعية بعيداً من إقرار أي قانون فعلي، إن كان ضرورياً ام لا، لإلزام مؤسسات الدولة وإداراتها الكشف عن ملفات الفساد امام اي شركة تدقيق، ورغم انّ التدقيق الجنائي أمر ملحّ وضروري للسير بالاصلاحات، إلّا انّ الازمة المالية والاقتصادية المستفحلة لن تعالَج من خلال ما وُصف بانتصار وتسجيل هدف فريق في مرمى الآخر، لأنّ القطاعات الانتاجية المُنهَكة، والتي توقّف اكثر من 50 في المئة منها عن العمل، لن تعاود النهوض من دون خطة اقتصادية ومالية لتحفيزها، كما انّ القطاعات التي تُجاهِد للصمود في وجه الاقفال العام والتدهور الاقتصادي سيكون مصيرها الافلاس والاقفال مع نهاية العام إن لم يَتدارَك المعنيّون الامر من خلال تشكيل حكومة وإطلاق برنامج إنقاذي وتنفيذ استراتيجية مُحكمة للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تهدف الى إعادة إشراك القوى العاملة التي أصبح 60 في المئة منها عاطل عن العمل، في الدورة الاقتصادية.

 

قبل الاقفال العام وقبل انفجار المرفأ كان حجم مؤسسات القطاع الخاص قد تراجَع الى النصف، وقد ساهمت تداعيات الاقفال والانفجار في إقفال المزيد من المؤسسات التجارية والسياحية التي لم تعد قادرة على تحمّل الخسائر او على تكبّد المزيد من الاعباء المالية من اجل الصمود وإعادة البناء، خصوصاً انه لم يتم بعد التعويض مالياً على المؤسسات المتضررة إن من الاقفال او من الانفجار. امّا المؤسسات التي ما زالت صامدة حتى اليوم فهي متّجهة نحو التصفية والاقفال أواخر العام الحالي في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه.

 

في هذا الاطار، أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد انّ الأهمّ من عدد المؤسسات التي أقفلت بشكل كامل وخرجت من السوق أو التي جمّدت أعمالها، هو تراجع حجم الاستهلاك الذي يؤثّر بنسبة 70 في المئة على حجم الناتج المحلي الاجمالي، والذي من المرجّح أن يتراجع في الحدّ الادنى بنسبة 50 في المئة في موازاة تقلّص حجم الاقتصاد.

 

وأوضح عربيد لـ”الجمهورية” انّ تراجع حجم الاستهلاك مردّه الى توقف المحركات الاقتصادية، لافتاً الى عدم وجود إحصاءات دقيقة حول عدد المؤسسات التي توقفت عن العمل بسبب إقفال بعضها بشكل كامل وتجميد البعض الآخر لأعماله بعد الانفجار، او تقليص البعض حجم أعماله، لافتاً الى انّ الدورة الاقتصادية متوقفة نتيجة 3 عوامل:

 

– تراجع حجم الاستهلاك.

– فقدان السيولة النقدية نتيجة وقف التسليفات المصرفية.

 

– شحّ السيولة بالدولار وانهيار سعر صرف العملة المحلية الذي صَعّب عملية الاستيراد من الخارج.

 

وقال انه منذ بداية العام الحالي، تعتبر الدورة الاقتصادية متوقفة باستثناء كل ما يتعلّق بالمواد الغذائية، المحروقات، والادوية والمعدات الطبية، مشيراً الى انّ الصناعة المحلية تعاني كذلك جرّاء تراجع الطلب داخلياً، وفقدان العملة الصعبة من اجل استيراد المواد الاولية.

 

امّا بالنسبة للقوى العاملة، أكد عربيد انه لا توجد ارقام دقيقة حول عدد الموظفين الذين تم تسريحهم، لأنّ المؤسسات استغنَت بالكامل عن جزء من موظفيها في حين انها أوقفت جزءاً آخر عن العمل وأبقَته مستفيداً من الضمان الاجتماعي، كما انها لجأت الى خفض الرواتب او تجميدها. وبالتالي، لا يمكن إحصاء العدد الفعلي للعاطلين عن العمل حالياً، ولكن المؤكد انّ العاملين في كافة القطاعات الاقتصادية باستثناء القطاع الصحي، المحروقات وتجارة المواد الغذائية، وجدوا أنفسهم إمّا مُستغنى عن خدماتهم او معلّقين عن العمل حتى إشعار آخر او يتم تسديد جزء من رواتبهم، ممّا أفقد معظم القوى العاملة قدرتها الشرائية وأثّر على تراجع حجم الاستهلاك.

 

القطاع السياحي

امّا بالنسبة للقطاع السياحي الذي كان يدّر حوالى 8 مليارات دولار سنوياً في الاقتصاد في السنة في العام 2010، فقد تراجع حجمه الى أقلّ من مليار دولار، وباتت مؤسساته تئنّ تحت وطأة الضغوط وانعدام الأعمال، وقد وصل ما تبقّى منها الى حافة الاقفال والافلاس مع ابتعاد دول الخليج عن لبنان لأسباب سياسية، ليأتي انفجار بيروت ويشكّل الضربة القاضية للقطاع يعدّ تضرر 2531 مؤسسة سياحية منها 163 فندقاً، 2087 مطعماً وملهى ليلياً، 188 مؤسسة سياحة وسفر، و93 مؤسسة تأجير سيارات.

 

ويتوقّع نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي ان يكون هناك إقفال تام لبعض الفنادق والمطاعم نتيجة الانفجار والتدهور الاقتصادي، مشيراً الى انّ 65 بالمئة من المطاعم ما زالت مقفلة، «خصوصاً انّ الامور مع شركات التأمين لم تبت حتى الآن، اذ لم تتمكن اي مؤسسة من تحصيل اي مبلغ من هذه الشركات لتتمكن من إصلاح ما دمّره الانفجار».

 

وفي ما يتعلّق بعدد الموظفين في القطاع السياحي، فإنّ الأرقام المتوفرة تشير الى تراجع عددهم من 160 ألف موظف مسجلين في الضمان و40 ألف طالب وطالبة يعملون بشكل جزئي، الى أقلّ من 80 الف موظف يعملون بشكل جزئي فقط.

 

تفعيل المحركات الاقتصادية

وعن الحلول المطلوبة لإعادة تفعيل الدورة الاقتصادية، يؤكد عربيد انّ المطلوب أوّلاً تشكيل حكومة غير تقليدية وقادرة وموثوقة، بالاضافة الى إحداث صدمة إيجابية على الصعيد السياسي تعطي نوعاً من الثقة لإعادة تفعيل المحركات الاقتصادية. وشدّد على ضرورة تنفيذ رزمة الاصلاحات المطروحة من قبل القطاعات الاقتصادية، والتوافق مع صندوق النقد الدولي من خلال سيناريو موحّد قابل للتطبيق على برنامج إنقاذ.

 

واعتبر انه في حال لم يُصَر الى تنفيذ تلك الاجراءات وبشكل سريع، “سنشهد المزيد من الضغط الاقتصادي الذي سيترجم بالمزيد من الضغوطات الاجتماعية”.

 

وختم: “نحن ذاهبون من مرحلة الفقر الى مرحلة البؤس، حيث سنشهد اعمال شغب وانفجاراً اجتماعياً وتحوّلا ًجذرياً في نمط العيش”.