وسط التجاذب وأسلوب «التفاجؤ» بالتعاطي مع مفاعيل الأزمة الاقتصادية واستنزاف احتياطي مصرف لبنان والإضطرار الى رفع الدعم بعد نفاده، لا بدّ من وضع النقاط على الحروف… العناوين كثيرة، ولكل منها ملفات دسمة يطول الغوص في تفاصيلها، لكن 10 نقاط علمية تختصر صلب معانيها وتختزل الإشكالية الحالية.. ما هي؟
1 – الدعم يكون من الدولة للناس وليس من اموال «كل الناس» ليستفيد منه «بعض الناس» بشكل استنسابي.
ad
2 – السياسة الاسكانية أيضاً تكون من موازنة الدولة وليس من استراتيجية المسؤولية الاجتماعية للمصرف المركزي على أهميتها، التي كانت عبر تحرير الاحتياطي الالزامي أو تقديم تسهيلات بفوائد مخفضة، لأنّ لبنان بقي ببساطة طوال 12 عاماً من دون موازنة، تتحمّل فيها الدولة مسؤوليتها.
3 – عندما استأنف لبنان إقرار الموازنات بعد غياب دام 12عاماً، تابع إعداد الموازنة السنوية بأرقام تقديرية بلا قطع حساب للأرقام الفعلية!
4 – ليس الاحتياطي الالزامي وحده من مال الناس، انما كل توظيفات المصارف هي أموال الناس المودعين، إن كانت موظفة بتمويل الدين العام (سندات خزينة ويوروبوند) أو موظفة في المصرف المركزي (شهادات إيداع وتوظيفات حرّة وإلزامية).. يعني كل تعثر عن تسديد اي منها هو اعتداء على أموال الناس.
5 – سلسلة الرتب والرواتب وزيادة الضرائب كان يفترض أن تكون بأرقام مدروسة وتوقعات صحيحة بعد ترشيد الإنفاق، وليس بعد زيادة التوظيف الفائض أساساً ونتائج معاكسة بالمالية العامة، حيث زاد العجز بدل ان ينقص من منطلق trop d›impôt tue l›impôt
6 – الجميع يعرف أهمية الكهرباء الاستراتيجية للناس والاقتصاد. والجميع يعرف انّها كلّفت بين سلفات خزينة بالدولار وتراكم فوائد عليها نحو 45 مليار دولار، اي نصف الدين العام، ولا تمّت إعادة تسديد سلفات الدولار ولا تمّ تأمين الكهرباء بنحو مستدام…
7 – الجميع بات يعلن أنّ سعر صرف الدولار/الليرة على اساس 1507 كان اصطناعياً، خصوصاً بعد تدهور ميزان المدفوعات منذ عام 2011، وانّه كان ضرورياً إعادة النظر في السياسة النقدية .. ولكن منذ بدء الأزمة الى اليوم، اصبح الجميع متمسكاً بدعم اكبر عدد من المنتجات، عبر تأمين استيرادها بسعر 1500 ليرة للدولار، حتى استنزاف كل احتياطات الدولار في المصرف المركزي.
ad
8 – مفهوم استقلالية المصرف المركزي انوجد تحديداً لحماية السياسة النقدية، من تمويل عجز المالية العامة وانغماس الجهاز المصرفي بتمويل الدولة، لإحداث أثر إيجابي اصطناعي، قبل الفترات الانتخابية وتأجيل تداعيات التضخم الى ما بعدها، كما حصل ويحصل في لبنان incohérence temporelle et biais inflationniste.
9 – من المعروف علمياً، أنّ الاستقرار السياسي هو شرط أساسي، وليس كافياً للاستقرار الاقتصادي، لأنّ المال والاستثمار «جبان» وسريع الهروب أمام الأزمات، لا سيما نوع الاستثمار الذي يعتمد عليه لبنان لاجتذاب العملات الأجنبية، أي الخدمات والسياحة والتوظيفات المالية والمصرفية…
10 – تدهور ميزان المدفوعات منذ العام 2011 مع بدء الأزمة في سوريا واهتزاز مناخ الاستقرار السياسي في لبنان، ويُترجم بتحوّل رصيد ميزان المدفوعات من وضع الفائض الى تراكم العجوزات، لأنّه يعتمد على فائض ميزان الرساميل لتغطية عجز الميزان التجاري (فارق التصدير والاستيراد) .
منذ العام 2011 لم يعد يُسجّل أي فائض إلاّ استثنائياً بين 2016-2017 بفعل «الهندسات المالية» لاجتذاب العملات الأجنبية وتأجيل انفجار الأزمة، وليس بفعل أي تحسّن في التوظيفات والاستثمارات…
ad
ومن الواضح والمعروف أيضاً، أنّ وكالات التصنيف الدولية «فيتش»، «موديز»و»ستاندر أند بورز».. تعتمد «الاستقرار السياسي» كأحد أبرز العوامل المؤثرة في «تثقيل» تصنيفها السيادي لسندات أي بلد، أي قدرته على الإيفاء بتسديد التزاماته بالعملات الأجنبية، لأنّ تراجع الاستقرار مقدّمة الى افتقاد الثقة والمناخ الاستثماري، وبالتالي اضطرار البلد المعني الى رفع معدلات الفوائد على سنداته لإقناع المستثمرين بالاستمرار في تمويله (وهو ما حصل تماماً في لبنان وبالفترة المذكورة والموثّقة في تقارير هذه المؤسسات) لتغطية عامل المخاطرة، مما ضغط بدوره على سوق الصرف والاستقرار النقدي..
هذه النقاط تستند طبعاً الى أرقام وتقارير من مختلف الهيئات الرسمية والمؤسسات الدولية، وهي ليست سراً.. انما السرّ يكمن في طريقة التعامل باستخفاف معها من قِبل من هم في سدّة المسؤولية، ويفترض أن يكونوا مؤتمنين على استباق الأزمات وإدارة الملفات وتقديم الحلول، قبل أن تحصل المشكلات، الى الشعب ويشتكي منها.. وليس انتظار انفجار الأزمة، ليرفعوا هم أنفسهم الشكاوى الى الشعب من دون تحمّل أي مسؤولية تجاهه…
في النتيجة، إنّ تصحيح الخلل الاقتصادي يبدأ بحسن قراءة خلفياته الاقتصادية وغير الاقتصادية.