هي المصادفة حتماً التي جعلت الأمين العام لـ”حزب الله” قبيل غُرَّة الشهر الفضيل “يخلط شعبان برمضان” باستطرادٍ عن الوضع الداخلي يدعو فيه الى “حوار اقتصادي” بنَّاء لنستدرج سوياً استثمارات الصين. والسبب على ما يبدو اشتباه الأمين العام بأن “اتفاق بكين” بين طهران والرياض هو جزء من التخلي المشترك عن “الشيطان الأكبر” لاستبداله بـ”التنين الأصفر” المبسوط اليد واقفاً أكثر من “سبيلِ صَدَقة” ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
هذا الاقتراح ليس في محله على الإطلاق. ليس لأنه قديم ومكرور فحسب، ولا لأن الصين ليست “جمعية خيرية” وسفيرها أعلن عدم حماستها للاستثمار في لبنان، ولا لأن “حزب الله” وحلفاءه الممانعين يحكمون البلد منذ سنوات طويلة من غير أن يقوموا بهذه المبادرة أو يتجرأوا على نقل الاقتصاد اللبناني المريض الى مستشفى “الشرق” الاستثماري لتلقي “إكسير الحياة” متذرعين بعرقلة واشنطن هذه التوجهات، بل لأن الهدف من إعادة نبش هذا الاقتراح هو “فصل الزمان عن المكان” وتضييع البوصلة وتخريب الأولويات.
ورغم أنه الأقدر على استشفاف معاني نصائح كمال خرازي بعدم انتظار مقايضة ناجمة عن الاتفاق السعودي الإيراني، والأعلم بأن موقف الرياض حاسم في رفض مرشح الممانعة، فإن أمين عام “حزب الله” يضيِّع الوقت على اللبنانيين المقهورين بلعبة خلط الأوراق وإعادة عقارب الساعة الى وراء. ويتناغم في ذلك مع الرئيس ميقاتي الباكي دوماً على أوضاع الفقراء، والساعي، بحجة “أولويات الناس”، الى عقد جلسات حكومية بعدما “لمَّ الشامي على المغربي” ودبَّر أكثرية رجَّحها “وزراء الخدمة” المسيحيون الذين ارتضوا الاجتماع في حضرة “الرأس المقطوع” لمجلس الوزراء.
ويلتقي الأمين العام حتماً في هذا الإطار مع توأمه في “الثنائي” الذي يجهد لعقد جلسات تشريعية مستنداً ايضاً الى “نواب خدمة” مسيحيين، وسُنَّة متدثرين بـ”الاعتدال”، بعدما أفتوا لأنفسهم بأن “الأمة الوسط” في الإسلام تعني الخنوع لاستباحة السيادة و”خفض جناح الذل” أمام المنظومة التي دمرت حاضر ومستقبل البلاد والعباد، فيما تفسيرها المتَّفق عليه هو مناصرة الحق في الحياة الدنيا والشهادة بالعدل أمام الديَّان.
واقع الأمر أن الأمين العام لـ”حزب الله” يتنكر لثابتتين: أولاهما أن الأولوية الوطنية والدستورية هي انتخاب رئيس للجمهورية. وثانيتهما أن المعضلة في الأساس هي سياسية تتعلق باستعادة الدولة، متناسياً أن مشروع رفيق الحريري للنهوض الاقتصادي في غياب السيادة على قاعدة “منحكي فيها بكرا” انتهى الى مأساة أوصلتنا الى الانهيار.
قيل قديماً “اطلبوا العلم ولو في الصين” للدلالة على البُعد لا المكان، فغير مجدٍ إيهام الناس بمليارات وهمية تنهمر من هناك في وقت وضع “صندوق النقد” خططه للبحث في إنقاذ الوضع الخطير جداً في لبنان وباتت تتمسك به الدول المانحة شرطاً للمساعدة، ولم يعد ينقصه إلا ردع ذئاب “المافيا المشتركة” عن تخريب المفاوضات معه خشية أن يطالها الحساب أو تصاب بضرر جسيم من الإصلاحات.
(للتذكير: خطة “طريق الحرير” كما وضعتها الصين قبل عشر سنوات كانت تلحظ تطوير مرفأ طرابلس ومطار القليعات، وليس صفقة مشبوهة بالتراضي نفَّذها وزير “حزب الله” لتوسيع مطار بيروت من غير التعهد بتجنيب الطائرات رصاص العائلات!).