يتحدث الجميع عن الكارثة الاقتصادية والمالية التي أصابت لبنان وعن تداعياتها المتصاعدة والتي ستبلغ ذروتها ما إن يتخطى لبنان والعالم أزمة فيروس “كورونا”، وأن هذه التداعيات ستؤدي إلى تفجير ثورة وانتفاضة لن يسلم منها كل من تورط في ما وصل البلد إليه.
إن إدراك هذا الواقع المتردي ليس بالأمر الجديد، بل هو واقع تراكم على مر عشرات السنوات رغم التحذيرات التي كانت تطلق من الداخل والخارج، والمفارقة المضحكة المبكية هي أن بعض من كانوا يطلقون هذه التحذيرات متهمون بالتخريب من قبل من لم يكن يسمع لتحذيراتهم وواصل سياسة التخريب حتى اليوم.
وبناء على ذلك لا يبدو مفيداً في هذه الأيام التكرار على مسامع اللبنانيين أوصاف الحال التي نحن فيها، بل إن المفيد هو القول للمواطنين كيف السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة من دون المس بما تبقى للناس من قدرات للعيش ولو بالحد الأدنى.
إن الخطوة الأولى في هذا المجال تقع على عاتقنا نحن المواطنين لجهة أن ندرك إدراكاً حقيقياً ونهائياً أن الطبقة السياسية التي تعاقبت على الحكم قد فشلت فشلاً ذريعاً وليس بمقدورها أن تنقذ لبنان مما هو فيه حتى ولو كان لدى بعضها بعض النوايا الحسنة، ولكن هذه النوايا لم تستطع مواجهة مسار الهدر والفساد والسرقة والمحاصصة وتقاسم المغانم، فوقف من يملكون هذه النوايا موقف المتفرج، لا حول لهم ولا قوة، سوى ترداد شعارات أصبحت بحكم الفارغة وأصبحوا هم بحكم المشاركين في خراب البلد.
الخطوة الثانية هي ان على أصحاب الشأن أن يدركوا أن لبنان واللبنانيين ليسوا حقل تجارب سياسية وعسكرية واقتصادية، وأن المطلوب ليس شعارات لا تسمن ولا تغني عن جوع، بل إن المطلوب هو التخلي عن هذه الشعارات وأجنداتها ومشاريعها وأدواتها، فلبنان ليس مكتوباً عليه أن يسجل التراجع تلو الآخر والمصيبة تلو الأخرى، وأن من يرى أن مصالح لبنان تكمن في هذا التراجع وهذه المصائب هو مخطئ ويأخذ البلد إلى حال انكسار لم يشهد لها مثيلاً ولن يكون بمقدور أي كان أن يحمي حتى نفسه من عواقب وتداعيات هذا الانكسار الذي سيطال قلب لبنان وقلب كل طائفة ومذهب فيه، فكل من اعتقد أن خيمة فوق رأسه ستسقط لأن كل الخيم الأخرى في المنطقة ساقطة لا محالة.
الخطوة الثالثة المطلوبة هي الجرأة في المعالجة وتخطي شعارات أصابها العفن مثل رفض الخصخصة ورفض بيع أملاك للدولة، وعدم اللجوء إلى صندوق النقد الدولي بحجة أننا نرهن البلد لجهات خارجية تتحكم بنا، وكأن أصحاب هذه الشعارات لا يعلمون أن البلد كان مرهوناً لسنوات لجهات خارجية وممثليها في الداخل جرّت عليه كل الويلات والخراب ولم يُسمع لأصحاب هذه الشعارات صوت معترض، علماً أن رهن البلد لأي كان أمر مرفوض ولكن وإن كان لا مفر من ذلك فإن رهنه لجهات تستطيع أن تساعده يبقى أفضل بأشواط من رهنه لجهات تضره.
الخطوة الرابعة هي تحميل المسؤوليات والمحاسبة وهي تحتاج إلى الإقدام والجرأة والإدراك أن ثمنها قد يكون مرتفعاً يصل إلى حد الاغتيال ربما، فهل في البداية هناك فدائي أو فدائيون قادرون على حملها والسير بها؟
في هذه الخطوة يجب معرفة أين صرفت كل الأموال التي تمت استدانتها وتلك التي كانت تُجبى للخزينة، ومن قام بصرف هذه الأموال وهل كانت تصرف بطريقة صحيحة أم بطرق ملتوية؟
طبعاً إن الجواب المنطقي والبديهي هو أن غالبيتها صُرفت بطرق ملتوية شابها الهدر والسرقة وبالتالي يجب التحقيق مع كل من كان مسؤولاً وترتيب مسؤوليات المخالفات والارتكابات وتسمية الضالعين فيها بأسمائهم واستعادة ما يمكن استعادته من هذه الأموال ومصادرة أملاكهم وصولاً إلى زجهم في السجون.
إن هذه الخطوات التي يمكن أن تشكل خريطة طريق للخروج مما نحن فيه يجب ألا تعطلها ممارساتنا وولاءاتنا نحن المواطنين، فالجوع والعوز والفقر والغلاء والمرض والجهل لا تميز بين دين ومذهب وطائفة، ولا تميز بين أتباع هذا الزعيم أو ذاك الحزب والتيار، ولا تميز بين من هم مع الممانعة ومن هم مع الاستكبار، ففي النهاية ما يؤمن عيشك هو ما في جيبك وليس ما في جيب غيرك ولو كان زعيمك.