الجو العام في البلاد لا يبعث على الارتياح، فالإحتجاجات الشعبية على سياسة الدولة تزداد يوماً بعد يوم، وربما ساعة بعد ساعة إلى أن وصلت إلى الهيئات الاقتصادية التي نفذت أمس، وقفة مركزية احتجاجية أمام غرفة بيروت وجبل لبنان في الصنائع رافقها اقفال المحال التجارية ساعة من الوقت، كاشفة عن اتجاه عند الحكومة لزيادة الضرائب، كضريبة الدخل وودائع المصارف معتبرة أن طرح هذه الزيادة في ظل الأزمة الاقتصادية هرطقة تصل إلى حد المصادرة والتشليح، لتغطي بذلك، عجزها عن الذهاب إلى مكامن الحلول الناجعة وفي مقدمها مكافحة الفساد المستشري على «عينك يا تاجر» ووقف التهرب والتهريب الضريبي الذين ينخرون جسم الدولة.
إن صرخة الهيئات الاقتصادية أمس، تعبر عن صرخة كل اللبنانيين بعدما وصلت الأمور إلى هذه الحالة المزرية التي يعيشونها في ظل سلطة، تتهرب من التصدّي للأسباب الحقيقية التي أوصلتهم إلى هذه الحالة وتمعن في سياسة نهب الدولة وتجويعهم، بدلاً من أن تضع الأصبع على الجرح وتقتلع المرض الذي يتجسّد بالفساد من جذوره فترتاح هذه السلطة وتريح.
وتُشير الاجواء الشعبية السائدة إلى أن الوقفة الاحتجاجية للهيئات الاقتصادية لم تكن نهاية المطاف بل هي بداية لسلسلة خطوات تصعيدية لهذه الهيئات تترافق مع تحركات شعبية واسعة تعم كل لبنان، ولا تقتصر على العاصمة بيروت وحدها، وما حدث أمس في سوق صرف الدولار سيزيد من غضب الشعب اللبناني ويعجل في إنتفاضته على السلطة الحاكمة، فيوم الاثنين المقبل سيستفيق الشعب على إضراب أصحاب الأفران وسيختفي الخبز من الأسواق احتجاجاً منهم على شح الدولار، ومن الطبيعي أن تلحق بهم قطاعات أخرى كثيرة اتخذت قرارها بالمواجهة مثل محطات البنزين والعسكريين المتقاعدين والمجتمع المدني وغيرهم كثير من القطاعين الخاص والعام، في خطوة تصعيدية قد تتحوّل إلى إنتفاضة شعبية عارمة تطالب بإسقاط كل الطبقة السياسية المهيمنة على السلطة بعدما أثبتت فشلهاالذريع أو عدم رغبتها في تحقيق الإصلاحات البنيوية التي تؤدي إلى الانقاذ.
وبالرغم من هذا الجو القاتم ما زال أهل السلطة يتحدثون عن إجراءات للانقاذ ما زالت موضع درس من شأنها كما يدعون تفعيل الاقتصاد الوطني بكل قطاعاته، ويعدون اللبنانيين الذين يمشون على الجمر بأن مشروع موازنة 2020، سيكون خشبة الانقاذ كونه يحمل إصلاحات تُعزّز الثقة الداخلية والخارجية بالوضع الاقتصادي اللبناني، في الوقت الذي يستند هذا المشروع لتخفيض العجز على مد اليد لجيبة الفقير والمعوز من خلال فرض ضرائب جديدة بدلاً من الذهاب إلى محاربة الفساد وسد مزاريب الهدر وسرقة مال الشعب كما يدل مسار مناقشات مجلس الوزراء لمشروع الموازنة، وكما تدل أيضاً مواقف الدول والمؤسسات الاقتصادية السلبية من السياسة الإصلاحية التي تدعي السلطة اللبنانية انها ماضية في تنفيذها من خلال الموازنة العامة، وسياسة التقشف وتحفيز النمو للوصول إلى التوازن في ميزان المدفوعات من جهة، والتخفيف من أعباء الدين من جهة ثانية.