Site icon IMLebanon

الأعاصير الاقتصادية والطبيعية

 

 

لا تقتصر الأعاصير الحالية على الاقتصاد والمال بل أضيفت اليها أعاصير الطبيعة ليس فقط مؤخرا في فلوريدا وميسيسيبي، وانما أيضا في سوريا وتركيا وبعض الدول الأوروبية. تضرب الأعاصير الطبيعية كما الاقتصادية اجمالا الفقراء دون أن ننكر اصابة الأغنياء أيضا كأصحاب البواخر الكبيرة على شواطئ «فورت مايرز» في فلوريدا والجنوب التركي. من الصعب تنبؤ الأعاصير الطبيعية بدقة، ليس لمواجهتها، بل لتنبيه السكان الى أن الغضب الطبيعي آت وبالتالي تتم الوقاية الفضلى لتخفيف الخسائر البشرية والمادية. كذلك الأمر بالنسبة للأعاصير الاقتصادية حيث فشل الخبراء في توقع الأزمات المتكررة في التوقيت والحجم والعمق. من الأمثلة الحالية الواقعية هي توظيف كل الجهود لمحاربة التضخم دون أن يستطيع الخبراء تقييم التأثير على الداء وبالتالي حجم وسرعة رفع الفوائد.

للأعاصير الطبيعية طاقة كبيرة وعنيفة ويمكن تشبيهها بمولد كهربائي يدور بسرعة كبيرة. أما الركود الذي يمكن أن ينتج عن السياسة النقدية فيمكن تشبيهه بمولد يدور ببطء، لكن في الحالتين للأعاصير تأثيرات سلبية على حياة المواطن وتسبب خسائر بشرية ومادية كبيرة. الفارق الوحيد بينهما هو أن الأعاصير الطبيعية لا تؤثر على مستقبل الطقس بينما الأعاصير الاقتصادية تغير شكل وطبيعة الاقتصاد المستقبلي. في الخسائر هنالك فارق بين المباشرة المحددة الواضحة للأعاصير الطبيعية من جهة، وخسائر الأعاصير الاقتصادية من جهة أخرى التي يمكن أن تكون أعمق وأشمل عندما تنتشر الى دول عدة قريبة وبعيدة.

البروفسور «روبرت يونغ» ينصح بتغيير سياسات الصمود والانقاذ ضد الأعاصير الطبيعية. يقول بأن الأعاصير تحصل عموما في نفس الأمكنة، فتنفق أموال عامة باهظة للانقاذ والتعويض والبناء. تتكرر الأعاصير في نفس الأمكنة بعد فترة ويعود الانفاق من جديد. يقول لماذا لا تنفق هذه الأموال على بناء مناطق أخرى لا تطالها الأعاصير وينقل السكان اليها وبالتالي نوفر الكثير من التكلفة المادية والمعنوية. المسؤولون المحليون يعرفون جيدا المناطق المعرضة كما المناطق البعيدة عن هذه الأعاصير الظالمة. تحليل البروفسور يونغ موضوعي، لكنه يتجاهل تعلق الانسان بأمكنة عيشه وظروف حياته.

يقوم المصرف المركزي الأميركي برفع الفوائد بسرعة لمحاولة القضاء على التضخم. كبار الخبراء الأميركيين ومنهم «جوزف ستيغليتز» و»بول كروغمان» ينصحون المصرف المركزي بالتروي في رفع الفائدة لأن تأثيرها على الاقتصاد يأخذ بعض الوقت وبالتالي السرعة في رفعها يمكن أن يؤدي الى ركود كبير أو أزمة مالية عالمية. تكمن المشكلة أيضا في أن المصارف المركزية الأساسية من أوروبية وبريطانية ويابانية وغيرها تقوم هي أيضا برفع فوائدها لمواجهة العدو التضخمي. افلاس مصرف SVB في كاليفورنيا، وعموما الخضة المصرفية الأخيرة بدأ من الولايات المتحدة الى سويسرا تفرض تخفيف وتيرة رفع الفوائد لتجنب خسائر أخرى وللحفاظ على الثقة في النظام المصرفي.

ما هي المؤشرات التي يجب النظر اليها لتقييم تأثير الفوائد على الاقتصاد؟ هنالك العديد من الأرقام المرتبطة بالأصول والسندات، لكن أهمها مؤشران أولا في قطاع العقارات الذي يتأثر سلبا برفع الفوائد من ناحيتي العرض والطلب. من ناحية الطلب، رفع الفائدة يؤثر سلبا بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض وبالتالي ينحدر شراء الشقق والمكاتب والعقارات. من ناحية العرض، رفع الفائدة يؤثر سلبا على الاستثمارات في البناء وبالتالي على توافر الشقق والمكاتب للمواطنين. أما المؤشر الثاني المهم فهو سعر صرف الدولار حيث أن ارتفاعه مقابل العملات الرئيسية يؤثر سلبا على قروض الدول النامية المحررة بالدولار كما يضر بالميزان التجاري الأميركي اذ يخفف الصادرات ويعزز الواردات. النظر الى هذين المؤشرين فرضا على المصرف المركزي الأميركي مراجعة خطواته قبل القيام بزيادات أخرى للفائدة. حتما لا شيء مؤكد في الاقتصاد كما في الطبيعة، وبالتالي يبقى التروي أفضل المواقف.

أما السياسات النقدية فلا تكفي وحدها للقضاء على التضخم. المطلوب التأثير على توقعات المواطنين أي على نفسيتهم، وهنا يترابط علمي النفس والاقتصاد بقوة. ما فعله المصرف المركزي الأميركي والبقية هي التأثير المادي، اذ أن التوقعات لم تتأثر بعد. هذا يفسر الى حد بعيد سبب استمرار المركزي في رفع الفائدة على الدولار حتى تتغير توقعات الناس كما فعل «بول فولكر» في ثمانينات القرن الماضي. يقول الاقتصادي «روبرت فرانك» الأستاذ في جامعة كورنيل أن ما يحتاج اليه الاقتصاد الأميركي وغيره لمحاربة التضخم هو وضع ضريبة تصاعدية على الاستهلاك وليس على الدخل مما يخفف الشراء أي الطلب ويدفع الأسعار الى الأسفل.

حول العالم وبعد الكورونا نما الاقتصاد العالمي بسرعة مما سبب التضخم. سلاسل الامداد كما أسعار الطاقة والغذاء هي المسؤولة الأهم عن التضخم العالمي الحالي. لذا بدأت المصارف المركزية برفع الفوائد لكن مع ضرورة مراجعة الأمور التالية:

أولا: هل يكمن الحل في رفع الفوائد في ظل المشاكل الاقتصادية المتعددة من سؤ استقرار وبطالة وأزمات مصرفية؟ أم يجب التفتيش عن سياسات أخرى يمكن أن تعطي نتائج ايجابية مع وجع أقل؟ رفع الفوائد يخفف الاستثمارات في البنية التحتية وبالتالي يضر بمستقبل الاقتصادات. في الدول النامية كما الناشئة، لا يمكن الاتكال على المساعدات الخارجية فقط اذ أن العالم أجمع يعاني حتى قبل الحرب الأوكرانية.

ثانيا: هل يمكن للمصارف المركزية تحديد سعر الفائدة «الأفضل» بحيث يتم القضاء على التضخم دون احداث ركود كبير وبطالة خطرة؟ أهمية السياسات النقدية المتبعة هي قولها للرأي العام ولقطاع الأعمال أن المصارف المركزية ستواجه التضخم وبالتالي عدلوا توقعاتكم السلبية.

ثالثا: هل يمكن للاقتصاد الدولي وخاصة للدول النامية والناشئة أن تتعافى بعد رفع الفوائد؟ كيف يمكنها تسديد ديونها التي أصبحت أكثر ثقلا على موازناتها؟ مواجهة التضخم العالمي الحالي يتطلب جهودا دولية مشتركة لأن الأسباب عالمية والنتائج ستكون مشتركة.