IMLebanon

تبقى المؤشرات الإقتصادية هي الأهم

قد يكون فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية أكبر صدمة للنظام الاقتصادي العالمي منذ الأزمة المالية في العام 2008 ويمكنه أن يترك شكوكاً حول الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية ولأشهر إن لم يكن أكثر.

قد نذهب أبعد من ذلك للقول إنه بعد الـBrexit هناك علامة جديدة عن الانقسامات الحاصلة في العالم والتي لم تعد يميناً ويساراً كما قبل أو طبقة عاملة مقابل النخبة، إنما في الواقع قد يكون انتخابه انتصاراً ليمين متطرّف بات يرى في العولمة مساوئ ويتطلّع أكثر نحو الداخل مع التزام صريح ضد العولمة في جميع أشكالها: تجارة حرة وهجرة وتحويل دولي.

هذا الواقع يخلق العديد من الأسئلة حول توجّه الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب لاسيما وأنه حالياً يوجد ما يُسمّى عدم اليقين الذي من المحتمل أن يدفع المستثمرين والمؤسسات التجارية والأسر المعيشية نحو تأجيل القرارات الكبيرة وتراجع أسواق الأسهم والسندات والذي ليس بالضرورة نتيجة لتوقعات اقتصادية قاتمة، إنما كون أنّ هناك كثيراً من السيناريوهات البديلة- أضف الى ذلك مواقفه المرنة للغاية والضرائب والهجرة والأجور ما يجعل من الصعب معرفة ما سوف تكون الأولويّة بالنسبة لديه.

هذا عدى عن أنّ فريقه الإقتصادي صغير وغير معروف كثيراً بالنسبة للمستثمرين وصنّاع السياسة الخارجية. وعلى ما يبدو بول كروغمان الاقتصادي الشهير متشائم للغاية وحسب قوله «إنّ ترامب رجل جاهل ويطلب النصيحة من الناس «الخطأ» في أمّة اقتصادها هو الأكبر في العالم والأخطر من ذلك توقيت مجيئه الذي صادف مع هشاشة الاقتصاد العالمي الذي مازال بعد 8 سنوات من الأزمة المالية يترنّح في الركود».

وحسب كروغمان دائماً «نحن على الأرجح نرى أنفسنا في ركود عالمي ولا تبدو له نهاية في الأفق ولكن في الاقتصاد كما في أيّ شيء آخر فإنّ شيئاً فظيعاً حدث الآن».

المضحك في الأمر كله أنّ دونالد ترامب تحدّى كلّ التوقعات منذ بداية حملته الإنتخابية قبل أكثر من عام وقليلون هم الذين اعتقدوا أنه سيفوز في الإنتخابات الرئاسية والأهم أنه فاجأ العالم وحرّك الأسواق التي ما إن أعلن فوزه حتى انخفضت في المانيا واسبانيا وايطاليا كلها بنسبة تتجاوز 3 في المئة وهكذا كانت حال الأسهم في لندن التي تراجعت 2 بالمئة ثمّ عادت الى الارتفاع كما تباينت أسواق العملات الأجنبية وضعف الدولار على نطاق واسع ضدّ العديد من العملات الرئيسة. وتوقع الاقتصاديون أن تكون سياسية ترامب الحمائية مضرّة لتوقعات النموّ الاقتصادي في الولايات المتحدة.

هذا ما حدث للاقتصاد بشكل عام وكنتيجة فورية لفوز ترامب والسؤال الأهم والذي يطرح نفسه الآن ما الذي سوف يحدث إذا ما وفى ترامب بوعوده لاسيما أنّ لديه أجندة عمل أقل ما يُقال فيها إنها ضيّقة الآفاق لاسيما فيما يختصّ بالهجرة غير الشرعية واتفاقات التجارة الحرة ووعده اللامنطقي في إقامة حائط مع المكسيك.

أما الأهم فيبقى كيفية معالجته لهذه الأمور والتي تعطي دلالة واضحة عن كيفية المسار العام والاقتصادي بشكل خاص وقد تكون غير منطقيّة خططه للتعامل مع العمال الأجانب خصوصاً أنّ في تقدير مكتب العمل الأميركي هكذا عملية تكلّف ما بين 400 بليون إلى 600 بليون دولار، كذلك سوف تدفع بالناتج الإجمالي بأكثر من تريليون دولار نحو الأسفل وقد تلقّى مقاومة كبيرة من بعض أجنحة الحزب الجمهوري- كذلك التحرّك ولجم التجارة الحرة قد يسيران بالاقتصاد الأميركي نحو الركود وبالتالي يؤثر في أكثر من 4 ملايين وظيفة في القطاع الخاص حسب دراسة في أيلول الماضي لمعهد بترسون للاقتصاد الدولي- وكما تدلّ الدراسة هنالك مجموعة قوانين تفوّض الرئيس فرض رسوم جمركية أو حصص على الواردات والخروج من الـ(NAFTA) والتي تضمّ الى جانب الولايات المتحدة (منطقة التجارة الحرة الولآيات المتحدة كندا والمكسيك)

ويلزمها اخطاراً مكتوباً من الرئيس فقط لا غير- وقد يكون من المرجح أكثر أن يحاول ترامب إعادة التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة في أميركا الشمالية قبل الغائه ومن المرجح أن تعترف بها المكسيك كأفضل سيناريو تتقيّد من خلاله ببعض القيود على صادراتها وهذا أفضل من فقدانها تماماً- وهنالك أيضاً التعاطي مع الصين كأحد المضاربين بالعملة وفرض تعديلات جمركية رادعة على الواردات من الصين ما يزيد من احتمال وقوع حرب تجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم.

وبشكل عام، تعهّد ترامب بتغيير مجموعة من الاتفاقات التي تمّ التوصل اليها بين الحكومة الأميركية وعدد من المؤثرين في الساحة الدولية لا سيما اتفاق باريس بشأن الحدّ من الملوّثات التي تُسهم في تغيير المناخ الى اتفاق يهدف الى تقييد طموحات إيران النووية والتعهّد بتصعيد المعركة ضد الدولة الإسلامية وبتكثيف القصف في العراق وسوريا فضلاً عمّا سبق وذكرنا التعهد ببناء جدار بطول الحدود المكسيكية.

وفي المطلق واقتصادياً يبقى فوز ترامب صدمة سلبية على الأسواق لا سيما أنها تزيد من عدم اليقين التي نتجت عنها Brexit والتي ما زالت قائمة وتتردّد موجاتها في الأسواق الانكليزية والاوروبية في شكل عام.

وبعيداً من هذه الشواغل الفورية يلوح في الافق عدد كبير من الفوارق والمتغيّرات التي قد تؤثر سلباً في صناع السياسات المالية والنقدية لا سيما الاحتياطي الفيديرالي والذي اتهم رئيسته يلين بالتحيّز لمصلحة كلينتون في سياستها النقدية ما يعيد الى الواجهة إمكانية تاخير أيّ تغيير مفترض على الفوائد.

إذا سلّمنا جدلاً أنّ الدولار ديمقراطي بامتياز فقد يتغيّر الواقع وتأتي الأمور بشكل أسلم بكثير من السيناريو التشاؤمي المتغيّر الذي وصفه ترامب خلال حملته الانتخابية ما يعني أنّ الأمور قد تستقيم وتبقى الكلمة الفصل للمؤشرات الاقتصادية الاميركية كما هي العادة بغض النظر عمَّن هم في الحكم الجمهوري أو الديمقراطي.