صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبته بإعادة هيكلة قانون العمل الفرنسي تنفيذًا لوعده الإنتخابي. وإذا كان الأمر يبدو للوهلة الأولى أمرا عاديا، إلا أن معرفة أن كل السلطات السابقة فشلت في إصلاحه نظرًا لحساسيته، يطرح السؤال عن ردّة فعل الشارع الفرنسي خصوصًا مع رغبة ماكرون بالمرور بأمر رئاسي لتعديله.
يحوي قانون العمل الفرنسي كل النصوص القانونية المرعية الإجراء في ما خصّ قانون العمل. ويعود تاريخ إقرار أول قانون عمل في فرنسا إلى 28 كانون الأول 1910 تحت إسم «قانون العمل والرعاية الإجتماعية».
وهدف هذا القانون في نسخته الأولى إلى وضع الأساس القانونية للنقابات المهنية، مدة العمل وتعويضات حوادث العمل. وفي العام 1919، تم إدخال الاتفاقات الجماعية بحسب القطاعات على هذا القانون.
في العام 1973، تمّ إقرار وتطبيق قانون جديد يحوي على تسعة أجزاء حسّنت في الإتفاقات الجماعية، وتنظيم العمل، والاتحادات التجارية وتمثيل الموظفين في المفاوضات مع أرباب العمل كما والخلافات التي تنشأ بين الموظفين وأرباب العمل.
تغيير أنماط الحياة والممارسات والعمل داخل الشركات بقيادة السلطة التشريعية لإنشاء وإلغاء أو تعديل العديد من الأحكام الواردة في هذا القانون. إلا أن تطور الحياة خصوصًا مع تغيير طريقة العمل (نظرًا لتطور الإقتصاد الفرنسي)، دفع بالمُشرّع الفرنسي إلى تعديل العديد من بنوده حيث تمّ إقرار هذه التعديلات في العام 2008.
في العام 2016، تمّ إقرار قانون عمل جديد عُرف بإسم قانون «الخُمري» تيمّنًا بإسم وزيرة العمل. وأقرّ البرلمان الفرنسي هذا القانون في 21 حزيران 2016 على إثر العديد من التظاهرات والتعديلات على الطرح الأساسي. لكن هذا القانون النافذ حاليًا، لم يكن إلا صورة عن القانون السابق مع بعض التعديلات التي طالت بشكل أساسي الإتفاقات بين مُمثلي الموظفين وأرباب العمل كما والإستفتاء داخل الشركات.
تعلّق الفرنسيين بمكتسباتهم
خلال حملته الإنتخابية، وعد المُرشّح ماكرون بتعديل قانون العمل لكي يتناسب أكثر والإطار الإقتصادي الحالي. بمعنى أخر، أراد ماكرون القيام بتعديلات جذرية تطال القانون وتُعطي حرّيات أكثر للشركات. اليوم ومع وصوله إلى سدّة الرئاسة، وحصوله على الأغلبية النيابية في البرلمان الفرنسي، بدأ ماكرون بتنفيذ وعده الإنتخابي في ما يخصّ قانون العمل.
يعتبر الفرنسيون أن قانون العمل الحالي (خصوصًا العمّال) هو نتيجة عقود من النضال النقابي إذ أنه حسّن من ظروف العمّال الفرنسيين. وترى البلدان الأخرى في هذا القانون رفاهية كبيرة للعامل الفرنسي حيث أن ساعات العمل لا تتخطّى الـ35 ساعة أسبوعيًا مع العديد من الفوائد والمُكتسبات مثل ثلاثة أسابيع عطلة مدفوعة سنويًا وغيرها.
في العام 1997، حاول رئيس الوزراء الفرنسي أنذاك، الآن جوبيه، إدخال إصلاحات على قانون العمل. إلا أن تمسّك الفرنسيين بهذا القانون والتظاهرات المليونية التي إمتدّت على فترة ثلاثة أسابيع، ألزمت الحكومة بالعدول عن إصلاح القانون.
قانون يُحاكي الواقع
ما يريده ماكرون اليوم هو إدخال تعديلات جذرية تطال عدّة نقاط أهمها التعديلات التي تُعطي حريّة إضافية للشركات في صرف العُمّال وتوظيفهم.
وهذا الأمر قد يدفع إلى مواجهات في الشارع. في ما يلي نذكرّ أهم التعديلات المُقترحة في المشروع الجديد:
أولاً: الصرف لأسباب إقتصادية: يقترح المشروع السماح للشركات بصرف الموظفين نتيجة تردّي الوضع الإقتصادي وهذا ما ليس مُتاحاً في ظل القانون الحالي. وتستطيع الشركات التي تحوي أقلّ من 11 موظ صرف عُمّال إذا ما سجّلت إنخفاضا في أعمالها خلال فصل، فصلين للشركات بين 11 و49 موظّفا، ثلاثة فصول للشركات بين 50 و299 موظفا وأربعة فصول للشركات التي تضمّ أكثر من 300 موظّف. الجدير بالذكر أن هذا الصرف يُعتبر صرفا تعسّفيا في القانون الحالي.
ثانياً: تغيير هيكلية الإتفاقات الجماعية حيث أن إتفاق الشركات يُصبح نافذًا حتى لو تعارض مع إتفاق القطاع. ويُمكن لرب العمل ومُمثلي الموظفين في الشركة تعديل مدة العمل، طريقة دفع الساعات الإضافية،… (مُستوّحى من ألمانيا) وهذا الأمر كان مُستحيلًا في القانون الحالي. وبحسب المُعارضين، يُشكّل هذا التعديل تراجعًا إجتماعيًا.
ثالثًا: مُدّة العمل: لم يُغيّر القانون المُقترح مُدّة العمل التي تبقى 35 ساعة، إلا أن إمكانية العمل 44 ساعة أسبوعيًا (وحتّى 46 بحسب قانون الخُمرّي) أصبحت موجودة. وفي ظلّ ظروف غير إعتيادية، يُمكن رفع مُدّة العمل إلى 60 ساعة أسبوعيًا شرط أخذ موافقة النقابات العُمّالية في الشركة ووزارة العمل.
رابعًا: الإستفتاء داخل الشركة: يسمح التعديل في القانون لقسم من الموظفين (حتى لو لم يكونوا أكثرية) بالقيام بإستفتاء على تعديلات في إتفاقية العمل. هذا الواقع يسحب من الأكثرية حصرية التمثيل وبالتالي يُعطي الشركات هامش تحرّك أكبر.
خامسًا: تحديد سقف التعويضات: هذا الإقتراح ليس بجديد (2015) ويقترح وضع حدّ أعلى وأدنى لتعويضات الصرف التعسّفي التي تُقرّها محكمة العمل. وبحسب واضعيه، هذا الأمر يسمح للشركات بتخصيص موازنة لهذا الأمر.
بالطبع اللائحة طويلة وتطال نقاطا أخرى مثل الساعات الإضافية، حساب النشاط الشخصي، حق الإنقطاع عن العمل، قسيمة الدفع الإلكتروني، الدين في الشركات، طبابة العمل، العمل الموسمي، عطلة الحداد…
هل يُمكن لماكرون تمرير هذا القانون؟
يعرف ماكرون جيدًا أن هذا الملف هو من أهم الملفات في عهده. وبالتالي، فإن وضع إستراتيجية لتمريره تعتمد على إقراره من خلال قرار رئاسي. ولهذا الأمر تقدّمت الحكومة إلى البرلمان بمشروع قانون يسمح من خلاله البرلمان الفرنسي للسلطة التفيذية بأتخاذ إجراءات لها علاقة بالتشريع.
وهذا الأمر لن يفرض أي مُشكلة بحكم أن ماكرون يملك الأغلبية في المجلس النيابي. بعدها يتمّ إصدار أمر رئاسي لوضع قانون العمل الجديد، ويُرسل للبرلمان للمُصادقة عليه حيث يُصبح نافذًا. وفي حال رفض البرلمان القانون (مُستبعد) يُصبح القانون تعليمات للشركات تقوم بتنفيذها.
المعروف أن المادة 49.3 من الدستور تُعطي الحكومة صلاحية إقرار قانون دون المرور بمجلس النواب إلا أن ماكرون أراد من خلال الأمر الرئاسي وضع قواعد أكثر صرامة لتحرير الإقتصاد، زيادة التوظيف والحدّ من البطالة (بحسب ماكرون).
الردّ الشعبي
المعروف أن مُعظم النقابات العُمّالية ضد هذا القانون كما عبّر عنه العديد من المسؤولين. ولتمريره من دون ردّة فعل في الشارع، يُراهن ماكرون على أن هذا الأمر هو وعد إنتخابي وهو يُنفذّ وعوده خصوصًا أن الشعب الفرنسي أعطاه الأغلبية النيابية في البرلمان.
كما يُراهن ماكرون على المفاوضات مع اليسار (وهو اليساري الأصل) لكي يمتصّ نقمة الشارع. والأهمّ أن ماكرون يُريد تمرير هذا القانون خلال فصل الصيف حيث أن مُعظم الفرنسيين في عطّلة وقدرة تجييش النقابات تُصبح أقلّ. فهل ينجح ماكرون حيث فشل الأخرون؟