Site icon IMLebanon

«اللواء» تنشر ملاحظات السنيورة على خطة الحكومة المالية والاقتصادية

 

ليست تاريخية.. وثغرات عميقة تتعلق باحترام الدستور والملكيات الخاصة واستعادة الثقة الداخلية والخارجية

 

تتوالى المواقف السلبية على الخطة المالية والاقتصادية التي أقرتها الحكومة لمعالجة أزمة التردي الاقتصادي والمالي، من منطلق السلبيات والأخطار التي تتضمنها بما لا يتوافق مع خطورة الكارثة التي يواجهها لبنان. وبعد جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية والقوى السياسية المعارضة وبعض أطراف الحكومة، كانت أفكار الخطة على مشرحة الرئيس فؤاد السنيورة الذي فنّد بنودها وخطوطها العريضة وأهدافها القريبة والبعيدة، معتبراً أنها لا تحفّز على استعادة الثقة بوصفها الشرط الرئيس للخروج من الأزمة الراهنة، وأن التحدي الكبير أمام الخطة ورعاتها هو أن يقنعوا العالم بأن لبنان وطن ودولة يُحترم فيه الدستور والقوانين!

 

يذكّر السنيورة في ملاحظاته أن ما قدمته حكومة حسان دياب ليست الخطة الإصلاحية الأولى، كما روّج لها رموز العهد، إذ سبق أن تقدمت حكومات الحريري، الأب والابن، بخمس خطط إصلاحية جرى تعطيلها، وينبّه إلى أن «المشكلة الأساس التي يعاني منها لبنان هو الانحسار الكبير في مستويات الثقة ما بين المواطنين والدولة، وبالتالي فإن العقبة الأساس هي في كيف سيصار إلى استعادة ثقة المواطنين بالدولة اللبنانية؟ وكيف يمكن استعادة الثقة مع المجتمعين العربي والدولي؟».

 

كذلك يعتبر السنيورة أن «الخطة تقارب مشكلات لبنان وكأن البلد أشبه ما يكون بشركة تجارية تمّ إعلان افلاسها وانه يجري الآن عملية توزيع الخسارات على مختلف الفرقاء، لا بل حتى التوزيع المقترح للخسارات هو توزيع غير عادل. إذ تجري معاقبة الأبرياء، أي المودعين، بدلاً من معاقبة الفرقاء الذين تسببوا بإيصال لبنان الى الحالة التي أصبح عليها»، ويسأل «كيف يمكن عندها اكتساب ثقة اللبنانيين وثقة جمهور المودعين والمستثمرين؟ كيف يمكن استعادة الثقة، وبالتالي كيف يمكن للبنان ان يجلب الاستثمارات إلى لبنان؟». والخطة التي بالغت في الحديث عن الهدر والأموال المنهوبة أغفلت أيضاً مسؤولية «التيار الوطني الحر» في الهدر وتبديد الأموال العامة في قطاع الكهرباء على مدى خمسة عشر عاما متوالية وهي السياسة التي تسببت بما يقارب من نصف الدين العام.

 

الآتي من الأيام يُظهر صحة نوايا العهد والحكومة في الحوار مع صندوق النقد

 

ويلفت السنيورة إلى أنه «لم يحصل التشاور، كما ينبغي، مع مختلف فرقاء الإنتاج بشأن الخطة، وهذا أمر ضروري وكان ينبغي القيام به بشكل تفاعلي»، وينبّه إلى أن «ليس هناك من اتفاق وموقف واحد داخل السلطة في الكثير من الجوانب التي تتطرق لها الخطة»، ما يعني أن «الخلافات هي بين أرباب السلطة المالية والنقدية، وكذلك بين أرباب السلطتين التشريعية والتنفيذية حول جوانب عديدة من جوانب هذه الخطة»، ليخلص إلى أنه «بعد استعصاء وتلكؤ دام أشهراً طويلة يوحي العهد والحكومة أنهما على استعداد للحوار مع صندوق النقد الدولي لبحث المعالجات والمساعدات التي يمكن أن يقدمها الصندوق»، لكنه يرى أن «الآتي من الأيام يظهر صحة النوايا لدى العهد والحكومة في القيام بذلك».

 

وإذ يذكّر السنيورة بأن «العالم بعد الكورونا غيره عما كان قبل ذلك»، يلفت إلى أن «المجتمع الدولي لا تعنيه كثيراً لعبة شدّ الأصابع اللبنانية وهو لن يقدم على مساعدة لبنان ما لم يرَ إرادة والتزاماً لبنانيين من أجل المبادرة إلى القيام بالإصلاحات المالية والنقدية والقطاعية والإدارية والسياسية، وهي الإصلاحات الضرورية لتحفيز الأشقاء والأصدقاء على المساعدة»، لكنه يشدد في المقابل على أن «استعادة الثقة الداخلية والخارجية يقضي العودة إلى احترام التوازنات الداخلية التي اختلت، وإصلاح الخلل في التوازنات الخارجية، وذلك بإعادة لبنان إلى محيطه العربي وموقعه لدى الغرب وهو ما تمليه مصلحة لبنان واللبنانيين. وهذا يعني العودة إلى احترام الدستور الذي ينص على أن النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة».

 

«اللواء» تنشر النصّ الحرفي لملاحظات الرئيس السنيورة على خطة الحكومة التي سيناقشها اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا مع رؤساء ممثلي الكتل النيابية في ظل مقاطعة أو تخفيض تمثيل عدد منهم.

 

ليست الأولى.. قبلها 5 خطط !

 

ملاحظات سريعة على خطة الحكومة:

 

أولاً: ردّاً على ما قاله فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس حسان دياب بأنّ هذه الخطة الاقتصادية والمالية التي أعدّتها الحكومة هي خطة تعد للمرة الأولى في لبنان، وهذا أمر غير صحيح، فقد:

 

1- تقدمت حكومة دولة الرئيس رفيق الحريري بخطة النهوض، واعتمدها مجلس النواب، وبدأت الحكومة بتنفيذها في منتصف التسعينات.

 

2- تقدّمت حكومة الرئيس رفيق الحريري بالخطة الاقتصادية والمالية إلى مؤتمر باريس-2 في العام 2002، والتي حصل لبنان بموجبها على الدعم المالي من الدول التي شاركت في ذلك المؤتمر.

 

3- تقدمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بالخطة الاقتصادية والمالية إلى مؤتمر باريس-3 الذي عقد في 25 كانون الثاني من العام 2007 تحت عنوان: Recovery, Reconstruction and Reform- International Conference for Support to Lebanon- January 25, 2007.

 

4- تقدمت حكومة الرئيس سعد الحريري بالخطة الاقتصادية والمالية إلى مؤتمر سيدر في مطلع العام 2018.

 

5- تقدمت حكومة الرئيس سعد الحريري بخطة ماكينزي الاقتصادية في العام 2019.

 

بالمقارنة مع الخطط السابقة، تفتقد الخطة التي أعدتها حكومة الرئيس دياب أمراً أساسياً يتعلق بمسألة معالجة المشكلات الاجتماعية والمعيشية التي قد تواجه تطبيق الإجراءات الإصلاحية المطلوبة، والتي هي إجراءات صعبة وموجعة. ذلك مما يتطلب معها تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية. وذلك بالمقابل هو ما اشتملت عليه خطة مؤتمر باريس-3 Social Action Plan. إذ تضمّنت تلك الخطة في Paris-III آليات المتابعة الدورية لرصد التقدم على مسارات الإصلاح.

 

هناك من يحاول استخدام الخطة التي أعدّتها حكومة الرئيس دياب للنيل من الأخصام السياسيين للحكومة الحالية وتوجيه الاتهامات لهم. وهي قد فعلت ذلك بدءاً من الترويج الإعلامي لخطة الإنجاز التاريخي، وبالتالي إلى توجيه التهم إلى حقبة الثلاثين عاماً ومسؤوليتها عما وصل إليه الحال في لبنان. هذا علماً أنّ أركان الحكم الحالي وفي الحدّ الأدنى يشتركون بأكثر من نصف تلك الفترة الماضية.

 

عالم ما بعد «كورونا» منشغل بقضاياه

 

ثانياً: هناك استعصاء مزمن في لبنان على الإصلاح وإصرار كبير على عدم مواجهة الفساد الذي هو في أصله فساد سياسي قائم على الزبائنية السياسية وهو ما يعني ميل الأحزاب السياسية إلى إيلاء المواقع الأساسية في إدارات الدولة ومؤسساتها للمحاسيب والأعوان بدون إعطاء مسألة الكفاءة والجدارة ما تستحقه من اهتمام.

 

إنّ استمرار الاستعصاء على الإصلاح وعدم المبادرة الى القيام به يؤدي إلى أن يصبح الإصلاح كثير بل باهظ الكلفة وشديد الاوجاع، وهو ما أصبحت تتسم به الفترة الحالية.

 

إنّ من أهم الخطوات الإصلاحية والتي تفتقر إليها خطة الرئيس حسان دياب كونها لا تؤكد على إعادة الاعتبار للكفاءة والجدارة والاستحقاق في تسليم المناصب في إدارات الدولة ومؤسساتها على قواعد الكفاية وبناء لمعايير واضحة شفافة وتنافسية.

 

ثالثاً: هناك ميل متجذر لدى القوى السياسية في لبنان للاعتقاد أنّ القوى الدولية حريصة على حماية الاستقرار في لبنان في حال أشرف لبنان على الانهيار، وان للمجتمع الدولي مصلحة دائمة في إنقاذ لبنان والحؤول دون انهياره. ذلك ما كان يدفع القوى السياسية اللبنانية إلى الاستعصاء وإلى ممارسة الدلع المتمادي والاستمرار في الانخراط في الفساد السياسي وبلا حدود.

 

بغضّ النظر عن عدم صحة هذا الاعتقاد، فإنّ العالم بعد الكورونا غيره عما كان قبل ذلك. في هذه الفترة كل بلدان العالم منشغلة بهمومها ومشكلاتها. والمجتمع الدولي لا تعنيه كثيراً لعبة شدّ الأصابع اللبنانية وهو لن يقدم على مساعدة لبنان ما لم ير إرادة والتزاماً لبنانيين من أجل المبادرة إلى القيام بالإصلاحات المالية والنقدية والقطاعية والإدارية والسياسية، وهي الإصلاحات الضرورية لتحفيز الأشقاء والأصدقاء على مساعدة لبنان.

 

استفحال الفساد واستعصاء الإصلاح

 

رابعاً: عشر سنوات عجاف عانت منها الدولة اللبنانية ابتداء من العام 2011 وحتى الآن وهي ما زالت مستمرة، وتلك المصاعب تظهر في كل المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية أكان ذلك في النمو الاقتصادي أم في العجز المتمادي في الموازنة والخزينة، وكذلك أيضاً في العجز المتصاعد والمستمر والخطير في ميزان المدفوعات.

 

خامساً: هناك قصور وتقصير من قبل الحكومة في إدارة هذه الأزمة. فلقد أضاعت هذه الحكومة وقتاً طويلاً. إذ مضى على لبنان أكثر من ستة أشهر، ازداد خلالها التردي الاقتصادي على المستوى الاقتصادي الكلي، وانحسرت ثقة اللبنانيين بمستقبل اقتصادهم، كما تفاقم التردي في العلاقة الاقتصادية بين مختلف فرقاء الإنتاج في الوطن بين المصارف وبين الصناعيين وبين التجار والمواطنين وغيرهم.

 

إنّ سوء إدارة الأزمة أدى إلى اهتزاز الثقة منذ اندلاع الانتفاضة في شهر تشرين الأول 2019 والتأجيلات المستمرة في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة وبعد ذلك في التأخر في التكليف وبعدها التأخر في التأليف وبعد ذلك في حال الارتباك السائد والعجز عن اتخاذ القرارات الصحيحة.

 

كما تردّت الثقة لدى المواطنين في النظام المصرفي اللبناني وكذلك بالنقد اللبناني. لقد أضاع لبنان أشهراً عديدة في التجاذبات، ومن ذلك التقاعس وعدم المبادرة إلى بدء التشاور مع صندوق النقد الدولي. والمشكلة الآن، وبعد انتشار وباء كورونا، أنّ هناك صفوفاً طويلة من الدول التي تنتظر من يساعدها على الصمود في وجه الأخطار المتصاعدة، والمشكلة ان الأقوياء بين الدول أصبحوا ضعفاء والرغبة والقدرة على مساعدة الدول الأخرى أصبحت ضعيفة.

 

لذلك، وبعد استعصاء وتلكؤ دام أشهراً طويلة يوحي العهد والحكومة أنهما على استعداد للحوار مع صندوق النقد الدولي لبحث المعالجات والمساعدات التي يمكن أن يقدمها الصندوق. والآتي من الأيام يظهر صحة النوايا لدى العهد والحكومة في القيام بذلك.

 

سادساً: لم يحصل التشاور كما ينبغي مع مختلف فرقاء الإنتاج بشأن هذه الخطة وهذا أمر ضروري وكان ينبغي القيام به بشكل تفاعلي، ولا سيما خلال الأسابيع الماضية، إذ أنّ التشاور ليس عملاً شكلياً كما يظهر الآن.

 

سابعاً: ان إعداد خطة وبحثها مع الفرقاء المعنيين في الخارج كصندوق النقد الدولي والمجتمعَيْن العربي والدولي يتطلب موقفاً موحداً من جميع الفرقاء المعنيين في الدولة وعلى رأسهم فخامة الرئيس، وكذلك دولة رئيس مجلس الوزراء والذي يجب ان يكون الى جانبه وزير المالية ويكون الى جانبهما حاكم مصرف لبنان وهذا الأمر لم ولا يحصل حتى الآن.

 

بالإضافة إلى ذلك، وعلى ما يظهر، ليس هناك من اتفاق وموقف واحد داخل السلطة في الكثير من الجوانب التي تتطرق لها الخطة. الخلافات هي بين أرباب السلطة المالية والنقدية، وكذلك بين أرباب السلطتين التشريعية والتنفيذية حول جوانب عديدة من جوانب هذه الخطة.

 

إنّ وجود فريق عمل متناسق ومتضامن في ما بين جميع الأعضاء في الحكومة ووزارة المالية ومصرف لبنان الذين يفترض بهم أن يتجندوا للدفاع عن الخطة، وأن يلتزموا بتنفيذها وبالتالي في توفير الظروف والإرادة اللازمة لتطبيقها. وهذه كلها أمور ضرورية جداً لنجاح الخطة، ولا سيما ان الأوضاع الاقتصادية والمالية قد باتت أكثر صعوبة الان مما كانت عليه قبل أشهر على أكثر من صعيد مالي ونقدي ومعيشي.

 

كيف تُستعاد الثقة؟

 

ثامناً: المشكلة الأساس التي يعاني منها لبنان هو هذا الانحسار الكبير في مستويات الثقة ما بين المواطنين وما بين الدولة وما بين جميع الناشطين في العمل السياسي. العقبة الأساس في هذه الخطة هي في كيف سيصار إلى معالجة الأمور من اجل استعادة ثقة المواطنين بالدولة اللبنانية وبهذا البرنامج الإصلاحي المقترح؟ وكيف يمكن استعادة الثقة مع المجتمعين العربي والدولي.

 

تاسعاً: هذه الخطة تقارب مشكلات لبنان وكأن لبنان اشبه ما يكون بشركة تجارية تمّ اعلان افلاسها وانه يجري الان عملية توزيع الخسارات على مختلف الفرقاء.

 

حتى هذا التوزيع المقترح للخسارات هو توزيع غير عادل. إذ أنه تجري معاقبة الأبرياء، وأعني بذلك المودعين، بدلاً من معاقبة الفرقاء الذين تسببوا بإيصال لبنان الى هذه الحالة التي أصبح عليها.

 

وبدلاً من استنهاض اللبنانيين واستعادة الثقة في ما بينهم، فإنّه يجري التركيز على التعامل مع المشكلة بأنّ هناك خسارة يجب توزيعها وكأنها شركة أعلن إفلاسها. وبدلاً من تحميل المسؤولية للذين ارتكبوا تلك الأخطاء فإنه يجري تحميل تلك الخسائر للذين لم يشاركوا بالتسبب في تلك الخسائر، ولا سيما تحميلها للحكومات وللمجلس النيابي الذين وافقوا على ذلك الإنفاق.

 

فعلى سبيل المثال، هناك إغفال لدور التيار الوطني الحر المسؤول عن تعطيل إقرار الموازنات العامة للدولة اللبنانية على مدى إحدى عشرة سنة متوالية (منذ العام 2006 وحتى العام 2016)، وإغفال لمسؤولية التيار الوطني الحر في استمرار الهدر والتبديد للأموال العامة في قطاع الكهرباء على مدى خمس عشرة سنة متوالية وهي السياسة التي تسببت بما يقارب من نصف الدين العام.

 

على أي حال، لبنان وطن وليس شركة تجارية تجري عملية تصفيتها وبالتالي توزيع الخسارات على الدائنين. هذا وطن ولديه اقتصاد يجب استنهاضه وهناك مواطنين يجب التنبه لأوضاعهم المعيشية. وبالتالي ينبغي ان يصار الى اعتماد الوسائل التي تؤدي الى استنهاض اللبنانيين من اجل استعادة الثقة لدى اللبنانيين بلبنان وبمستقبله وباقتصاده.

 

السؤال الأهم هو: كيف يمكن ان يصار إلى استعادة الحيوية وفعالية الحركة الاقتصادية، إذ ليس هناك من تركيز على استعادة زخم الإنتاج والنمو في بنية الاقتصاد. وكيف يمكن بالتالي استرجاع الدور الحيوي للقطاع الخاص في تحريك العجلة الاقتصادية.

 

المؤسف هو الاقتراح القاضي بتوزيع الخسائر من خلال عملية اقتطاع جزء من ودائع المواطنين في حال القيام بذلك يبرز السؤال التالي: كيف يمكن عندها اكتساب ثقة اللبنانيين وثقة جمهور المودعين والمستثمرين؟ كيف يمكن استعادة الثقة، وبالتالي كيف يمكن للبنان ان يجلب الاستثمارات إلى لبنان؟ هذه الامور كلها وللأسف لا تتطرق اليها هذه الخطة. وبالتالي، فإنها لا تعالج جوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان.

 

المعالجة الأساسية هي في كيفية استعادة الثقة التي أصبحت في الحضيض والخطة لا تعالج كيفية استعادة الثقة المنحسرة في الدولة ولا تستنهض اللبنانيين من أجل معالجة مشكلاتهم ولا تعطي المجتمعين العربي والدولي ما يحفزه على تقديم الدعم للبنان.

 

الأمر لا يقتصر فقط على اجراءات متآلفة في الحقول المالية والنقدية والقطاعية والادارية وهي الادوية الضرورية التي ينبغي ان يصار الى اعتمادها من أجلي تخطي المشكلات المتفاقمة ولكنها جميعها، حتى عندما يتم القيام بها، فإنها تعتبر غير كافية، إذ ان هناك اموراً عديدة يجب اعتمادها في السياسة ويجب ان يصار إلى إيلائها الأهمية اللازمة لكي تكون المعالجة للوضع العام المتردي الذي أصبح عليه لبنان اليوم كاملة ومجدية.

 

الأزمة التي يعاني منها لبنان في جزء هام منها هي أزمة سياسية وبالتالي فإنّ الحل هو أيضاً حلّ سياسي، وهي المسائل التي لم يجرِ التطرق إليها على الإطلاق في الخطة.

 

إنّ استعادة الثقة الداخلية والخارجية يقضي العودة إلى احترام التوازنات الداخلية التي اختلت، وكذلك إصلاح الخلل في التوازنات الخارجية، وذلك بإعادة لبنان إلى محيطه العربي وموقعه لدى الغرب وهو ما تمليه مصلحة لبنان واللبنانيين. وهذا يعني العودة إلى احترام الدستور الذي ينص على أن النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.

 

كيف نعيد الثقة إلى علاقة المواطنين اللبنانيين بالدولة وإلى علاقة لبنان بالعالمين العربي والدولي.

 

أرى هنا وجوب التنبه من قبل فخامه الرئيس ودوله الرئيس بشأن ضرورة استعادة الثقة. هذا يعني أنّ عليهما ان يبرهنا بأدائهما بأنهما يحترمان عقول اللبنانيين وعقول أشقائنا وأصدقائنا حول العالم. وكذلك، أن يبرهنا بأدائهما بأنّ هذه الحكومة وهذا العهد عليهما أن يقنعا العالم بأن لبنان وطن ودولة يُحْتَرمُ فيها الدستور اللبناني وتُحْتَرم فيها القوانين اللبنانية.

 

كيف يمكن للحكومة ان تستعيد ثقة اللبنانيين والاصدقاء في العالم إذا لم تحترم الحكومة القانون اللبناني وهي لم تصدر حتى الان التشكيلات القضائية التي تنص عليها القوانين اللبنانية والتي ما زالت معلّقة حتى الان علماً أنّ تعزيز استقلالية القضاء وترفعه وتنزيهه عن الغرضيات والاستهدافات السياسية تعتبر أحد العوامل الأساسية في عملية استعادة اكتساب الثقة المنهارة في الحكم والحكومة.

 

كيف يمكن ان تكتسب الحكومة الثقة وهي لم تقم ولم تستطع حتى الان معالجة المشكلة المزمنة في لبنان وهي مشكلة الكهرباء حيث لا يتم التطرق الى هذه المشكلة الخطيرة في متن الخطة الا بخفر واستحياء شديدين، ولا سيما أنّ هذه هي المشكلة هي المسؤولة عن أكثر من نصف الدين العام كما أصبح عليه حاليا الآن.

 

هناك استعصاء قديم وطويل في عدم القيام بالإصلاح. الاصلاح يبدأ مع فخامه الرئيس ودولة الرئيس. بدايةً في العودة الى احترام الدستور والقوانين واحترام دور ومصلحه الدولة اللبنانية وبسط سلطتها على جميع اراضيها اللبنانية وحدودها وعلى جميع مرافقها ووارداتها، وذلك من اجل استعاده ثقة المجتمعين العربي والدولي.

 

الثقة إجراءات لا وعوداً فقط

 

عاشراً: تفترض الخطة حصول لبنان على دعم مالي بحدود عشرة مليارات دولار لتعزيز ميزان المدفوعات وتعزيز الثقة بلبنان واقتصاده، كيف يمكن ان تأتي هذه الثقة طالما ان الحكم والحكومة لا يقومان بالإجراءات التي تعزز الثقة بهما وبدءاً في عدم احترام دستور البلاد وقوانينها بكونهما لا يعالجان أيضاً مشكلة إيلاء المسؤوليات في الإدارة اللبنانية لمن هم أهل لها.

 

لبنان جزء من هذا العالم العربي لا يمكن للبنان وليس لديه مصلحة في ان يكون في موقع او في محور يصبح فيه متنكراً لمصلحته ولمصلحه ابنائه وذلك بأن يكون على خلاف مع محيطه العربي ومع العالم.

 

كيف يمكن ان تتوقع هذه الخطة ان يحصل لبنان على دعم بقيمة عشره مليارات دولار لتعزيز ميزان المدفوعات لديه وهو في هذه الحالة من الاستعصاء على الإصلاح من جهة وعدم المبادرة الى تصويب سياساته الخارجية، ولا يعير انتباها الى الخلل في سياساته الداخلية والخارجية.

 

من يمكن ان يقدم هذه المبالغ للبنان ولا سيما في هذه الظروف المستجدة والصعبة، إذ أنّ العالم في هذه الفترة يعيش ويعاني من آثار جائحه الكورونا وهناك حاجات كثيرة وكبيرة من قبل العديد من دول العالم للحصول على التسهيلات المالية وأيضاً الدعم من قبل الدول القوية. تجدر الإشارة إلى أنّه وحتى الدول القوية قد اصبحت ضعيفة بسبب ما تتسبب به جائحه الكورونا، والتي تتعرض البشرية جمعاء للمخاطر المتأتية عن تفشّيها.

 

في الختام: تكمن أهمية الخطة في مقدار الالتزام بتنفيذها وفي توفير الظروف والإرادة لتطبيقها، ولا سيما ان الاقتصاد والأوضاع المالية يتدهوران بشكل متسارع بما يجعل الالتزام بأي من الإجراءات أو ما يسمى بالأدوية المالية والنقدية غير قابل للتحقيق أكان ذلك في تحقق الإيرادات أو في تخفيض الإنفاق أو في تحرير سعر الصرف أو القيام بعمليات Bail in لاحقاً. هل ستحظى الخطة بالتغطية الداخلية، وكذلك بالتغطية الخارجية؟ وهل هناك من يتبناها؟ من سيتبنى هذه الخطة؟ إنه يفترض ان يكون هناك فريق عمل واحد متناسق متضامن بين رئيس الحكومة ووزير المالية وحاكم مصرف لبنان بداية مقتنع بالخطة ويتبناها لكي يستطيع بعد ذلك إقناع اللبنانيين وإقناع المجتمعيْن العربي والدولي بها.

 

ينبغي على الجميع ان يدرك المتغيرات والظروف الصعبة التي يعيشها العالم ويعيشها لبنان في هذه الآونة وهي تتطلب ادراكاً أكبر وتفهماً أو في وأكبر فيما ينبغي القيام به، ولا سيما لجهة الحاجة لدى لبنان إلى ارسال رسائل واضحة من خلال أداء العهد والحكومة الى اللبنانيين أولاً، وإلى المجتمعين العربي والدولي ثانياً، وهي ان لبنان وحكومته هما على قدر المسؤولية وعلى مستوى مواجهه التحديات التي تعصف بالجميع في لبنان الان. وهذا الامر يتطلب بداية من الحكومة ان تثبت بأنها تحترم دستورها وقوانينها وتحترم ايضا مواطنيها.

 

وإلاّ عبثا يبني البناؤون.