Site icon IMLebanon

الخطط الإقتصادية تتهاوى أمام «حائط» السياسة

 

يواجه وضع سياسة إقتصادية لبلد معين العديد من الصعوبات أهمها الصراعات بين القوى السياسية كما ومجموعات المصالح وحتى داخل المؤسسات العامّة (Bénard 1962). هذا الأمر يُعقّد وضع أي خطّة إقتصادية في لبنان وحتى تطبيقها نظرًا للعامل الطائفي المذهبي الممزوج بمصالح خاصة.

السياسة الإقتصادية والإجتماعية هي عبارة عن مجموعة تدخلات تقوم بها الحكومة على مستوى الماكينة الإقتصادية إبتداءًا من الإنتاج وحتى الإستلام مرورًا بتوزيع الثروات (Deiss 1994).

ويأتي التشابك بين إقتصادات الدول والتطوّر التكنولوجي ليُعقّد مهمة الحكومة من ناحية جهوزية الحكومة للردّ على متطلبات محليّة مع أبعاد دولية، وبالتالي هناك حاجة إلزامية لتعاون دولي بين الحكومات بهدف تحقيق أي تطوّر على هذا الصعيد.

فصل السلطات

بحسب تنبرغن، السياسة الإقتصادية هي تدخلّ مقصود من قبل الحكومة بواسطة عدد من الأدوات القانونية والمالية والإقتصادية للتوصل إلى أهداف إقتصادية، إجتماعية وبيئية مُحدّدة، وبالتالي نرى أنها مُرتبطة بمبدأ السياسة العامّة. والسياسة بحسب الإستيمولوجية اليونانية (Politikos أي Cité) هي فنّ وممارسات السلطة في المجتمعات الإنسانية.

وبحسب أرستقراط، كل مدينة هي عبارة عن تجمّع بهدف نبيل يعود بالخير على أعضائها. وربط أرستقراط نجاح هذه المدينة بالعدالة التي تعني الفضيلة والتي يجب أن تحكم بين الأفراد والمدينة. وعرّف السياسة على أنها فن «تعليم الفضيلة إلى عامّة الشعب».

في منشوره الشهير «معاهدة الحكومة المدينة»، يقول جون لوك: هناك أقلّية تريد أن تربح وتُحافظ على الثروة والسلطة بواسطة فرص اللحظة. بينما هناك أخرون يُعانون ويريدون من السياسة أن تريحهم. هذا القول يدعونا إلى إثارة موضوع العلاقة بين المصالح وصنع القوانين (Traité du gouvernement civil 1690).

إن الوقوع في تجربة ثلاثية وضع القوانين، تنفيذها والمصالح الخاصة، دفعت الى وضع القوانين بين أيدي أشخاص مُختلفين عن الذين يُنفذوها. وهنا تظهر مُشكلة لبنان الأساسية من ناحية أن السلطة التنفيذية هي نسخة مُصغّرة عن السلطة التشريعية لا بل أصعب من ذلك أن تدخل السلطة التنفيذية في تعيينات السلطة القضائية تجعل من هذه الأخيرة غير قادرة على تطبيق العدالة التي نادى بها أرستقراط.

القرار الإقتصادي رهينة

من هنا يُمكن فهم ما يحدث في لبنان من تجاذبات سياسية ومذهبية تُلقي بظلالها على الحياة الإقتصادية من ناحية أن كل قرار إقتصادي ما هو إلا نتاج توافق السلطة السياسية وبالتالي، تفقد السياسة الإقتصادية كلّ فعاليتها وحتى ولو كانت من أفضل السياسات.

إذًا نرى أن النظام السياسي اللبناني تحوّل إلى مجموعة مؤسسات دستورية تُسيّطر عليها الأحزاب السياسية وتنسحب هذه السيطرة على كل المؤسسات بدون إستثناء حتى أنها طالت القطاع الخاص – الذي من المفروض ألاّ يأخذ بالإعتبار إلّا البعد الإقتصادي – المالي.

وبالتالي، نرى إقتصاديًا الهدر الكبير في إستغلال الموارد المتوافرة في الدولة (رؤوس أموال، ثروات طبيعية…) حيث تعتبر النظرية الإقتصادية أن غياب الفرص الإقتصادية هي خسارة تُسجّل على الإقتصاد وتُصنّفها على أنها «تخلّف إقتصادي».

المواطن هو المحور

كل سياسة إقتصادية لا يكون محورها المواطن، لا يُمكنها أن ترتقي إلى مستوى تسميتها بسياسة إقتصادية. هذا الأمر مُثبّت في النظريات الإقتصادية والإجتماعية منذ أفلاطون ومدينته الفاضلة وصولًا إلى عصرنا الحاضر.

عندما نقول أن المواطن هو المحور، نعني بذلك أن الفائدة المُرتقبة من أي إجراء إقتصادي، قانوني ومالي هو تعظيم الخير العام وليس لمصلحة فرد في المجمتع (أرستقراط). وبالتالي عند وضع أي سياسة إقتصادية هناك عدد من الخطوات الواجب إتخاذها.

التحضير للسياسة الإقتصادية

إن وضع سياسة إقتصادية يجب أن يمرّ حتمًا بمسح شامل للوضع الإجتماعي والإقتصادي للواقع على الأرض. ومن أهم العناصر التي يجب مسحها:

وتُستخدم كلمة «فقر» للتعبير عن نقص في تلبية الحاجات الفسيولوجية (بالدرجة الأولى) للمواطن حيث أنه يفتقر إلى الطعام والماء ومكان للنوم… (الفقر المُدقع)، وهذا النقص غير معروف كمًا في لبنان حيث أن هناك تقديرات لعينات من المُجتمع اللبناني على مثال عكار التي نصّ تقرير البنك الدولي على أن نسبة الفقر فيها تخطّت الـ 36%.

أيضًا تأتي حاجة التعلّم والعمل والطبابة في سلّم أوليات حاجة المواطن، وهنا أيضًا هناك غياب لمسح دقيق لمعرفة نسب البطالة والوضع التعليمي بالكامل على كل الأراضي اللبنانية وحتى على صعيد الطبابة والإستشفاء لا توجد أرقام دقيقة تُعبّر عن الوضع الحالي. في الواقع، هناك تقديرات على عينات تسمح في بعض الأحيان بإعطاء أرقام على مثال عكّار أيضًا التي يترك 46% من أطفالها المدرسة قبل الوصول إلى صف البروفيه!

أوعلى مثال البطالة التي أظهرت بعض الإحصاءات أن ثلاثة ألاف خريج من جامعات لبنان يجدون فرص عمل في لبنان على مجموع سنوي يبلغ 30 ألف مُتخرّج.

إن فصل السلطات هدفه الخير العام وتفضيله على المصالح الخاصة. من هنا يأتي دور العلم حيث يتوجّب على السلطة السياسية إستشارة الإختصاصيين الأكاديميين في الجامعات بهدف تأمين أرضية صالحة لأخذ القرارات الإقتصادية والإجتماعية الصالحة. لماذا لا تقوم الحكومة بتوقيع إتفاق مع الجامعة اللبنانية مثلا، لخلق وحدة أبحاث – مركز دراسات يكون في خدمة الحكومة وتزويدها بأجوبة علمية على المشاكل التي تواجه لبنان يوميًا؟

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن إدارة الشأن العام هي أمر مُعقد يجب أن يستند الى العلم ويعلو فوق الإنقسامات السياسة والحزبية والطائفية والمذهبية. ويخطئ من يعتقد أن ربح مركز في الدولة على حساب طائفة أو مذهب أخر هو إنجاز، لأنه كما تقول النظرية الإقتصادية لا يُمكن الإرتقاء ببلد فيه فقر.