تقوم القوات العسكرية الإيرانية بمناورات عسكرية منذ صباح الخميس الماضي. هذه المناورات التي تهدف رسمياً إلى «اختبار القدرات الايرانية، في مواجهة العدو المفترض» تحمل في طياتها أهدافا أخرى وعلى رأسها رفع أسعار النفط.
لا شك أن الفكرة الأساسية التي تأتي على بالنا عند سماع خبر المناورات العسكرية الإيرانية هي عرض قوى من قبل إيران. هذه الفكرة، وهي ليست الوحيدة، تُشكل إحدى رسائل الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال هذه المناورات.
لكن الأهم هو البحث في الأسباب الأخرى، ومن أهمها:
أولاً: خشية إيران من تنظيم الدولة الإسلامية والتي شئنا أم أبينا أبرزت مدى تجذرها في العراق وسوريا وبالتالي أصبحت تُشكل خطراً على شيعة العراق، سوريا ولبنان. كما أن التنظيم ومن خلال معاركه شرق العراق وتحديداً في منطقة بغداد بدأ يقترب من الحدود مع إيران. لذا تأتي هذه المناورات كرسالة للدولة الإسلامية.
ثانياً: الإرادة الإيرانية في إظهار إيران كقوة عسكرية تقليدية قوية حتى لو لم تمتلك السلاح النووي. هذه الرسالة التي تُريد إيصالها إلى الغرب، تحمل في طياتها طلب إلغاء العقوبات الاقتصادية على إيران.
ثالثاً: رغبة إيران في إيصال رسالة إلى الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، أن إيران لها نفوذ عسكري قوي في المنطقة تدعمه ماكينة عسكرية حديثة قادرة على ضرب جواً وبحراً وبراً. من هنا لا يُمكن التعاطي مع إيران على أساس أنها دخيلة على العالم السياسي العربي.
رابعاً: رغبة إيران في زيادة الضغط على أسعار النفط لكي ترتفع وهي إحدى أكثر الدول تضرراً من إنخفاض سعر برميل النفط.
الهدف الأساسي
يعتبر مضيق هرمز المنفذ البحري الذي يصل الخليج الفارسي بالخليج العُماني. يبلغ طول هذا المضيق 63 كلم وعرضه 40 كلم، وله مكانة إستراتيجية مهمة في التجارة العالمية وخاصة في تجارة النفط حيث أن أكثر من 30% من تجارة النفط تمرّ عبر هذا المضيق.
من هذا المنطلق، يُشكل هذا المضيق ممراً حيوياً للبلدان الخليجية المُنتجة للنفط والغاز كالكويت، قطر، المملكة العربية السعودية، البحرين، العراق والإمارات العربية المتحدة. يُقدّر عدد ناقلات النفط التي تعبر الممر سنوياً بـ 2400 ناقلة تنقل ما يوازي 17 مليون برميل نفط يومياً.
منذ الأول من كانون الثاني 1975، وبحسب الاتفاق الموقع بين إيران وسلطنة عُمان، استنادا الى قانون البحار الصادر عن الأمم المُتحدة، تقوم الدولتان بمراقبة مشتركة لتأمين التنقّل الحر في المضيق. وتقوم ناقلات النفط بسلوك ممر بحري عرضه 3 كلم للذهاب وآخر عرضه 3 كلم للإياب مفصولين بمنطقة عازلة بعرض 3 كلم.
منذ بدء العقوبات الدولية عليها، تهدّد إيران بإقفال المضيق أمام التجارة الدولية. هذا الأمر أفلح منذ البدء في الأسواق المالية حيث، وفي كل مرة عمدت إيران إلى التصعيد العسكري في المنطقة، كان سعر برميل النفط يرتفع بشكل جنوني.
لكن اليوم ومع المُعطيات التي تختلف جذرياً عن المعطيات السابقة، من المستبعد جداً أن تؤدّي هذه المناورات إلى ارتفاع سعر برميل النفط. ورغبة إيران في رفع أسعار النفط تأتي من تضررها من السعر الحالي والذي من المتوقع أن يزيد عجز موازنتها الحالية بشكل دراماتيكي حالها كحال روسيا التي قد لا تكون بريئة في دعم المناورات الإيرانية.
إستحالة رفع الأسعار
على الرغم من المناورات العسكرية الإيرانية في مضيق هرمز الإستراتيجي، فإن أسعار برميل النفط الخام لن ترتفع وذلك للأسباب التالية:
أولاً: زيادة العرض وخاصة من قبل المملكة العربية السعودية التي وبشتى الوسائل تُريد لجم النفوذ الإيراني. وهذا ما صرح به المسؤولون السعوديون بالقول «حتى لو وصل سعر برميل النفط إلى 20 دولارا أميركيا، فإن السعودية لن تُخفّض إنتاجها».
ثانياً: سيطرة داعش على 11 بئرا نفطيا في العراق وسوريا والذي يحتاج التنظيم إلى تصدير نفطه مهما كان السعر لكي يُموّل عملياته العسكرية. وتصدير النفط هذا يتم بالدرجة الأولى عبر تركيا التي تتهمها إيران وسوريا بتقديم الدعم اللوجستي لتنظيم الدولة الإسلامية.
ثالثاً: إن ركود الاقتصاد العالمي وما تمّر به دول أوروبا، الصين، روسيا وغيرها من البلدان النامية، قللت الطلب على سعر النفط مع عرض ثابت. هذا الأمر دفع بالأسعار إلى التهاوي مع الحفاظ على هامش أمان كي لا يرتفع السعر في حال طرأ أمر ما، إلى أكثر من عشرة دولارات للبرميل الواحد. وإيران، كما روسيا، تحتاج إلى برميل نفط بـمئة دولار أميركي لكي تُعيد التوازن إلى موازناتها.
رابعاً: وحده الاقتصاد الأميركي ينمو ومعه يزداد الطلب على النفط. إلا أن الولايات المُتحدة الأميركية بدأت منذ فترة بإستراتيجية الإكتفاء الذاتي (الذي لا يزال بعيداً في الوقت) كما أن المفاجأة الكبرى أتت من المخزون الإحتياطي الأميركي من النفط الخام والذي أظهر زيادة بحجم 7.3 مليون برميل في الأسبوع الماضي وذلك بخلاف التوقعات بهبوط المخزونات بنحو 2.3 مليون برميل.
هذا الأمر دفع بأسعار النفط الخام إلى الإنخفاض دولارين في تعاملات بورصة نيويورك ليصل إلى 55.27 دولارا أميركيا للبرميل وذلك على الرغم من بدء المناورات العسكرية الإيرانية.
خامساً: إشتراك إيران بعدد من الآبار مع كل من الكويت والسعودية كبئر الدرة وغيرها من الأبار التي تؤمن للدولة الإسلامية في إيران مدخولاً على الرغم من العقوبات الاقتصادية. وإقفال مضيق هرمز يعني بكل بساطة وقف هذا المدخول في وقت تحتاج إيران إلى كل دولار يُمكن لها إدخاله في خزينتها.
إستراتيجية «شمشوم»
مما تقدم نسنتج أن هذه المناورات بالفعل هي عبارة عن عرض قوة لا يخدم إلا في ظل إستراتيجية شمشوم الجبار والتي ستجلب الكوارث الى كل الدول الإقليمية وعلى رأسها إيران. ومن الرجّح أن الطبقة الحاكمة في إيران هي طبقة تعمل بالإستراتيجية ولا تغفل عنها عواقب قطع المضيق أمام سفن النقل البحري خصوصاً في مرحلة أخذ فيها الاقتصاد الأميركي بالتحسّن مما يسمح للولايات المُتحدة الأميركية بشن حروب واسعة إذا لزم الأمر.