Site icon IMLebanon

الحلقة المفرغة والمفزعة!

 

هل لبنان عصي على الاصلاح؟ وهل كتب على ابنائه ان يكونوا أسرى الطوائف والمذاهب إلى الأبد؟ وهل يجوز أن تنتصب الجدران الطائفية بينهم فتفرزهم مواطنين درجة أولى وثانية وثالثة ورابعة؟ وهل من المنطقي أن تتحول بعض المواد الدستورية “الموقتة” إلى دائمة بحكم “الظروف الدقيقة والحساسة”؟ وهل من المقبول أن تشوه بعض الأطراف الدستور وفقاً لفهمها الخاطئ كي تمرر سياساتها الفئوية والمصلحية والشعبوية مثلما حدث في تأخير توظيف الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية على سبيل المثال؟

 

يستحق اللبنانيون نظاماً سياسياً أفضل وأكثر تمثيلاً. الإصلاح السياسي، كما الإصلاح الإقتصادي، لم يعد خياراً بل هو القدر المحتوم وإلا فالبلاد ذاهبة نحو الانهيار التام وتباشيره أصبحت واضحة من خلال الارتفاع غير المسبوق لنسب البطالة وإقفال المؤسسات والمحلات والمصانع والشركات والمطاعم، فضلاً عن التسريح الجماعي للموظفين والعاملين، وهي موجة سلبية آخذة في التوسع نظراً لغياب الثقة ولانخفاض سقف التوقعات من الحكم الحالي، بدءاً من العهد مروراً بالحكومة وصولاً إلى القضاء الذي لا تزال بعض عناصره عاجزة عن مواكبة المتغيرات وغير قادرة على فرض واقع جديد.

 

صحيحٌ أن غياب السلطة القضائية المستقلة يحتم على القضاة مراعاة مختلف مكونات المجتمع السياسي حفاظاً على مواقعها وترقياتها وترفيعاتها ومكتسباتها، ولكن الصحيح أيضاً أن المطلوب إعلاء الصوت كذلك الذي عبّر عنه مراراً نادي قضاة لبنان وإقرانه بقرارات جريئة وجازمة لا سيما في المجالات المرتبطة بمكافحة الفساد والإصلاح.

 

لقد أجهضت حقبة الوصاية كل فرص الإصلاح السياسي والاقتصادي وأفرغت الدستور والقوانين من مضامينها بشكل منهجي وتدريجي بما يتيح لها الحفاظ على تأثيرها وسطوتها على الواقع الداخلي اللبناني- أي إتفاق الطائف (1989)ـ وأصبحت جزءاً من الدستور في لبنان والإبقاء على البلاد رهينة تدور في الفلك السوري.

 

وإذا كان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سنة 2005 (ونحن على مشارف ذكرى استشهاده) قد شكل عامل ضغط هائل على ضوء التحركات الشعبية والمواقف الدولية للخروج العسكري السوري من لبنان؛ إلا أن الفشل الجماعي في التقاط اللحظة السياسية للنفاذ نحو تغيير جذري للواقع حال دون ممارسة الضغط لإحداث إصلاح سياسي يلاقي تطلعات اللبنانيين في “العبور نحو الدولة” بعد تحقيق شعار “حرية، سيادة، إستقلال”.

 

إن الإنتقال الهادئ نحو نظام المجلسين (Bi-Cameralism)، وفق ما ينص الدستور، هو الخطوة الأولى والضرورية للمباشرة في مسيرة الإصلاح السياسي: مجلس نواب منتخب خارج القيد الطائفي، يوزايه مجلس شيوخ يراعي التمثيل الطوائفي ويبدد مخاوف المذاهب من “فقدان حقوقها” أو غياب حضورها في الحياة العامة، ويواكب هذه الخطوات إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي أيضاً نص عليها الدستور، وإقرار قانون موحد اختياري للأحوال الشخصية.

 

هذه السلة من المقترحات قد تبدو نظرية، لكنها ليست كذلك، إذ لا بد من الإنطلاق من مكانٍ ما، فكيف إذا كانت كل هذه العناوين منصوصاً عنها في الدستور الذي يجب احترامه وتطبيقه بصورة كاملة غير انتقائية وغير مصلحية.

 

إن التفكير خارج هذه العناوين سواءً بالنسبة للثورة أم السلطة أم المجتمع سيعني حتماً الدوران في الحلقة المفرغة والمفزعة!