أدّت الأزمات الداخلية والخارجية المستجدّة الى الهائنا عن مشكلاتنا الأساسية الكثيرة، وعن إيجاد حلول واضحة لها، في ظلّ استمرار التجاهل لحجم المأساة التي يعيشها المواطن اللبناني .
بالطبع نتمنى التوصل الى حلول قريبة لتلك الأزمات، ولكن لبنان لا يتحمّل التأخير في حلّ مشكلاته المالية والاجتماعية. وكل أزمة جديدة تدفعنا الى التجييش والتقوقع اكثر فأكثر، فننسى أننا جائعون وكلنا نُهبت أموالنا، وانّ أي ازمة جديدة ستنعكس على كل فرد بلا استثناء. فالهيكل سيقع على رؤوس الجميع.
والأسوأ صمت الجميع من المجتمع المدني والمرشحين للانتخابات والحكومة والنواب، والاستمرار في ترقيع المشكلة من دون وجود أفق.
فلا نفهم التجاهل المستمر لأزمة القطاع المصرفي وصمت الجميع عن إيجاد تصور لإعادة الثقة الى القطاع المصرفي، ووجهّنا مقالات عدة للمصارف، مطالبين بمعرفة الخطة المقبلة، وهل تنوي المصارف اللبنانية إعادة الودائع وتحت أي صيغة، وهل حقاً هدف المصارف استعادة الثقة ام الاستمرار في اجراءات ترقيعية تذّل المواطن يومياً وتهرّب المستثمرين وتضرب اي فرصة حقيقية في النمو، وحتى اليوم لا جواب.
أين الحلول الجدّية في موضوع التصدير وتخفيف الأكلاف في ظل حصار كبير يهدّد البضائع والمنتوجات؟
أين خطط الانتقال الى اقتصاد منتج، في ظلّ أزمات طاقة تهدّد المصانع اللبنانية، والتي ما زالت تقاوم للحفاظ على استمراريتها في خضم أزمات متتالية، وكل الحلول التي تُطرح اليوم من استجرار الطاقة واستيراد المواد النفطية لا تعطي اولوية للمنتجين؟
هل أنستنا الأزمات حجم الهجرة المخيفة التي تضرب المجتمع اللبناني وتهدّد بتفريغه من طاقاته وخبراته؟
هل نسينا التدقيق الجنائي ومخالفات مصرف لبنان المركزي، وعلى رغم من مطالباتنا المستمرة بنشر تقاريره المدققة منذ 26 عاماً بواسطة شركتي «ديلويت» و»ارنست اند يونغ»، لم نسمع أي جواب او توضيح لحقيقة ما حصل؟
أين حلولنا للتعليم الرسمي المشلول والذي يهدّد مستقبل آلاف التلامذة في ظل أزمة معيشية خانقة؟
نسارع أمام كل أزمة داخلية او خارجية الى صبّ الزيت على النار، لنحمي زعيماً او مسؤولاً، لنعادي دولة ما او لنقدّم لها الطاعة المطلقة، ونطلق تصريحات متسرّعة، فيما نحن جالسون في مركب يغرق ويهدّد بإغراقنا جميعاً.
ألم نعرف بعد انّ كرامتنا ووجودنا مرتبطان باقتصاد قوي قادر على ان يؤمّن فرص عمل منتجة لشبابه ومستوى معيشياً لائقاً لمواطنيه، وانّ الانهيار الذي نحن فيه يتطلب تعاوناً كاملاً من الجميع وحلولاً فاعلة.
الانهيار الذي نعانيه يتطلب التوقف عن الكلام والتنظير والانتقال الى العمل الجدّي ووضع حلول جذرية فاعلة، مع الالتزام بمِهل زمنية لها والأهم مصارحة تامة من الجميع بحجم المشكلة وحلولها. علينا ان نتخطّى خلافاتنا ومصالحنا الضيّقة اذا أردنا ان نبني مجتمعاً قادراً على الحياة. فخلافاتنا اوصلتنا الى ما نحن عليه، وما زلنا مستمرين في تخوين بعضنا البعض والتمسّك بالسلطة وعقلية «قوم لأقعد محلك». فهل نحن مجتمع واحد يواجه أزماته للوصول الى مصلحة موحّدة؟
وتبقى الشفافية المطلقة علاجاً أساسياً لإعادة الثقة، فالشفافية تقرّبنا من الآخر وتُسقط كل الشكوك، الشفافية تخلق التعاون بين الحكومة والشعب، وبين كل اطراف الحكم، وبين المغتربين والمقيمين، لكي لا يبقى كل طرف في وادٍ متمّسك بقناعاته المسبقة.