وسط هواجس الإنهيار الإقتصادي وحراك الشارع الغاضب والتلويح بالإضراب العام، تسير حكومة «إلى العمل» في إجراءاتها المالية تحت عنوان مشروع قانون الموازنة العامة في ضوء ضغط واضح من صندوق النقد والبنك الدولي، لتخفيف نفقات القطاع العام وتقليص مساحات الهدر، خصوصاً في مجال الكهرباء، تمهيداً لتخفيض العجز في الأشهر المتبقّية من العام الجاري. ووفق خبير إقتصادي ومالي مواكب لتفاصيل الأزمة الإقتصادية والمالية، فإن عنوان التقشّف الذي رفعته الحكومة وتعمل على تطبيقه من خلال إجراءات تحمل طابعاً عشوائياً، قد يؤدي إلى نتائج معاكسة لكل الأهداف الموضوعة على طاولة مجلس الوزراء. وفي هذا السياق، حذّر الخبير الإقتصادي، من المبالغة في إجراءات ضبط النفقات، لأنها ستؤدي، وفي المدى القريب وليس البعيد، إلى زيادة العجز، لا سيما إذا استمر واقع الفساد والهدر على ما هو عليه إلى اليوم، وذلك، على الرغم من الكلام السياسي عن محاربة الفساد ووقف الهدر.
وفي رأي الخبير نفسه، فإن الإجراءات التي يصفها المعتصمون في الشارع بأنها غير شعبية، لا تعالج جوهر المشكلة، حيث أن التهرّب الضريبي يشكّل أحد وسائل هذه المعالجة والأكثر فاعلية، إذ من غير الممكن، كما كشف الخبير المواكب للأزمة الإقتصادية، أن تشهد إيرادات الرسوم على التبغ والمشروبات الروحية على سبيل المثال، تراجعاً ملحوظاً في العام الماضي، وذلك خلافاً لكل الوقائع على الأرض، والتي تنطلق من متابعات وإحصاءات دقيقة تقوم بها شركات الإحصاء المحلية. وأضاف أن الأمثلة متعدّدة وملحوظة في البيانات الرسمية الأخيرة، وذلك، بانتظار أرقام 2019 التي لن تظهر قبل منتصف الصيف المقبل. ولذا، يتابع الخبير الإقتصادي، فإنه من المستحسن في المرحلة الحالية، عدم إهمال نصائح المؤسّسات الدولية التي تدعو إلى إجراءات إصلاحية وليس «ترقيعية» للوضع المالي من جهة، ولسياسة تقشّفية محدودة في الزمان والمكان من جهة أخرى.
ورداً على سؤال أساسي مطروح في كل الأوساط بالنسبة لقدرة الحكومة على تجنّب الإنهيار، يرفض الخبير المالي والإقتصادي بشكل قاطع أي كلام عن انهيار مالي في لبنان، مؤكداً أن الدولة اللبنانية ليست مفلسة، بل أن أزمتها الحالية تختصر بعبارة واحدة، وهي سوء الإدارة، وفي المقابل، فإن وضع الأولويات المتصلة بالفساد والهدر والإجراءات الإصلاحية غير كافٍ لمواجهة الأزمة الإقتصادية والمالية المستفحلة، بل من الملحّ الآن المبادرة فوراً إلى خطوات طارئة وضرورية لم يبدأ الحديث عنها بشكل جدي، وفي مقدّمها وضع سقف محدّد لأي دعم مالي لبعض القطاعات المتعثّرة، وأبرزها قطاع الكهرباء، علماً أن تحديد سقف واضح للإنفاق في مجال الكهرباء، كما حصل في العام 2018، من الممكن أن يؤدي إلى توفير يتجاوز عتبة الألف مليار ليرة في العام 2019.