في خطوة تحضيرية لبدء مناقشات مشروع موازنة 2020، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون، مجموعة من الخبراء الاقتصاديين إلى بعبدا للاطلاع على اقتراحاتهم عن اتجاهات وأولويات معالجة الأزمة الاقتصادية ــــ المالية. كان هناك شبه إجماع على أن لبنان أمام فرصة قد تكون أخيرة وسط انعدام الثقة بقوى السلطة في أن تقوم باللازم لتجنّب الكارثة، وخصوصاً أن توزيع كلفة التصحيح والمدخل المناسب لها يتطلب قراراً سياسياً وتوافقاً ليسا متوافرين بعد
يوم الأربعاء الماضي عقد اجتماع اقتصادي تشاوري في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وبحضور وزيري الاقتصاد منصور بطيش وشؤون التكنولوجيا عادل أفيوني، ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان، والخبراء الاقتصاديين: عبد الحليم فضل الله، مازن سويد، روي بدارو، شربل قرداحي، غازي وزني. الاجتماع، بحسب مصادر مطلعة، دعا إليه رئيس الجمهورية، وهو يأتي كواحدة من نتائج اجتماع بعبدا المالي الذي عُقد بحضور الرؤساء الثلاثة. أما الهدف منه فهو أن يطّلع الرئيس على اقتراحات الخبراء لمعالجة الأزمة الاقتصادية في ضوء الفرصة المتاحة أمام لبنان لتجنّب الكارثة والتي قد تكون الأخيرة. وتقصَّد الرئيس أن تكون الدعوة محصورة بهؤلاء الخبراء بعيداً عن أي حسابات سياسية وإن كانوا محسوبين على أحزاب وتيارات ”فالرئيس يسعى إلى الحصول على خبرتهم ليكونوا بمثابة مستشارين لما يمكن تضمينه في مشروع موازنة 2020».
”الاجتماع كان إيجابياً وهادئاً وتقنياً في الشق الأغلب منه. كان هناك نقاش مستفيض في السياسات العامة من دون الدخول في التفاصيل والآليات حيث يكمن الشيطان»، يقول مصدر مطلع على الاجتماع. ويشير إلى أن الأمل من اجتماع كهذا، أن ينتقل النقاش العام في البلد إلى مرحلة وضع الخطط التنفيذية ”لأننا في لبنان نقول كثيراً ولا نفعل إلا قليلاً. يجب أن نصل إلى إجابات حاسمة حول الكثير من القضايا، منها ما يتعلق بالكهرباء والحكومة الإلكترونية، وخدمة الدين العام، والقطاع العام، والشراكة مع القطاع الخاص، وخطة ماكينزي… هناك الكثير من المسائل الجدليّة التي يجب الحسم فيها والبدء بتطبيق ما يتفق عليه»، يقول المصدر.
انطلق الاجتماع بعرض قدّمه وزير الاقتصاد منصور بطيش يتضمن الإشارة إلى عجز المالية العامة البالغ 6.3 مليارات دولار في عام 2018، أي ما يوازي 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وإمكانية خفضه إلى 4.5 مليارات دولار في السنة الجارية، وتراجع الفائض من حساب الخدمات بين لبنان والخارج من 2.2 مليار دولار في 2015 إلى 1.4 مليار دولار في 2018، وزيادة عجز الحساب الجاري إلى 12.5 مليار دولار في 2018، فضلاً عن تراجع يطاول مؤشرات تدفق الرساميل من ودائع واستثمارات أجنبية مباشرة، فضلاً عن ضمور معدلات النمو الاقتصادي.
تقاطعت مصادر مختلفة على وجود ثلاث وجهات نظر عن المدخل المناسب لمعالجة الأزمة: الأولى تشير إلى ضرورة خفض خدمة الدين العام، والثانية تركّز على تضخّم القطاع العام، والثالثة تدمج بين الاثنين.
وجهات الخبراء متباينة بين خفض كلفة خدمة الدين والقطاع العام
باقي المداخل المطروحة لمعالجة الأزمة استحوذت على شبه إجماع، وخصوصاً ما يتصل منها بقطاع الكهرباء وخفض كلفتها على الخزينة (من دون الدخول في آليات هذا الخفض)، وما يتعلق بالنفقات الجارية في المؤسسات والإدارات العامة وما يسمّى محميات سياسية، وشفافية التلزيمات في القطاع العام، فضلاً عن ضرورة خفض الهدر، ووقف التهريب، والحد من التهرّب الضريبي… فضل الله كرّر ما يردّده دائماً عن ضرورة خفض خدمة الدين العام على فترة زمنية قصيرة ضمن توافق سياسي من دون المسّ بالقطاع العام، وسويد تحدّث عن الخطأ الذي وقعت فيه القوى السياسية أثناء مناقشة موازنة 2019 ”من دون توافق سياسي“ حتى صارت المعالجات المطروحة، سواء كانت جيّدة أو سيئة، تناقش تحت ضغط الشارع، لافتاً إلى أن كلفة التصحيح وتوزيعها على الشرائح في المجتمع هي العنصر الأساسي الذي يقع على عاتق القرار السياسي ”المفقود». بدارو وصف توزيع كلفة التصحيح بـ»توزيع الآلام“ الذي يشكّل الفرصة الوحيدة لمعالجة الأزمة ضمن معايير تؤمن حماية الطبقات الفقيرة، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية التي يجب معالجتها على المدى الطويل هي النموذج الاقتصادي الذي لا يزال يعتمد على الاستهلاك بطريقة مفرطة وعلى تصدير ضعيف… أفيوني كانت لديه وجهة تشير إلى أن السوق وحده من يتحكّم بأسعار الفائدة، لافتاً إلى أن خفض معدلات الفائدة يتطلب خلق ثقة لدى المستثمرين وطمأنة المودعين من خلال إجراءات جريئة لتحسين المالية العامة وخفض العجز عبر تنفيذ التزامات لبنان في موازنة 2019 وتنفيذ خطة الكهرباء وإقرار موازنة 2020 بعد تضمينها المزيد من خفض العجز والإصلاحات. وقدّم أفيوني خطة إصلاح مالي على مدى ثلاث سنوات تظهر التوجهات الجدية في العمل على الإصلاح بما يؤمن تحسين معدلات الفائدة واستعادة التحويلات الرأسمالية من الخارج. أما في القطاع العام، فقال أفيوني إن الأهم هو زيادة الفعالية والإنتاجية. أما وزني، فقد ركّز على عجز ميزان المدفوعات والاستقرار السياسي الذي يجب توفيره من أجل استقطاب التحويلات من الخارج وتحسين العجز الخارجي.