لا أحد من اللبنانيين يكترث لما نصّ عليه البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، ولا أحد منهم سيبدي اعجابه بتشاطر بعض الوزراء في لعبة التحايل على اللغة العربية ونحت التعابير التي تلفّ وتدور حول الأفخاخ أو الألغام، خشية من انفجارها باكراً بوجه الحكومة. هموم الناس في مكان آخر.
بالأساس، مَن مِن اللبنانيين ساءل يوماً أياً من الحكومات المتعاقبة على ما فعلته أو لم تفعله، أو حاسبها على قاعدة البيان الوزاري الذي تبنّته، ومن منهم راجعها بما وعدت بتنفيذه، وهنا لائحة الوعود الكلامية التي بقيت حبراً على ورق تطول لتشمل كلّ شيء، لأنّ أداء المنظومة السياسية التي تبادلت الأدوار طوال 30 عاماً بين الموالاة والمعارضة، لم يصل بالمالية العامة إلا الى الإفلاس، ولم يصل باللبنانيين إلّا الى الذل.
ولولا بند “المقاومة” الذي يثير الحساسية السياسية، لكان هناك من تجرأ واقترح إلغاء البيان الوزاري الذي تحوّل إلى مجرّد “خربشات لغوية” لن تجد من لديه الحشرية حتى للاطلاع عليها. ولهذا، لربما، اختار ميقاتي الطريق الاقصر للتخفيف من الاشكالات، تاركاً للغة العربية مهمة التذاكي على التعابير كي يكون الكلّ راضياً… ومن بعدها لكل حادث حديث.
في الواقع، أمام حكومة ميقاتي مهمة محفوفة بالألغام. من أين لها أن تبدأ بالمعالجة؟ من الوضع الاقتصادي المشلول؟ من افلاس المصارف؟ أو من الخزينة العامة المتكلة على “التسوّل”؟ أو من أسعار صرف الدولار؟ فعلاً هي حلقة مفرغة أو أشبه بمتاهة الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود!
ولعل عنوان الحكومة الاقتصادي – الانقاذي هو الذي دفعه إلى اقفال اذنيه على خبر وصول أولى شحنات النفط الايراني إلى لبنان وهو المتيقّن أنّ الزمن ليس زمن صراعات سياسية يسمح لعنوان من هذا العيار أن يثير سجالاً حاداً قد يعيد المتاريس الى بعض الشوارع. فدخل إلى مجلس الوزراء واثق الخطوات وكأنّ شيئاً لا يحصل على طرقات المعابر غير الشرعية وصولاً إلى قلب البقاع، ليعود لاحقاً ويعبّر عن “حزنه” جرّاء انتهاك السيادة الوطنية.
من هنا، حفلت الحكومة برزمة أسماء لا شغل لها إلّا الاقتصاد والمال. عجقة طباخين اقتصاديين يجلسون إلى مائدة الحكومة، والخوف من أن تحرق خلافاتهم طبخة الحكومة اذا لم ينجح رئيسها في إدارة هذه الخلافات والتخفيف من حدّتها.
فرئيس الحكومة يستعين بالأساس، ومن خارج الحكومة بعدد من المستشارين الاقتصاديين، وله رأيه في كل الملفات التي ستطرح. نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي قفز اسمه من تشكيلة إلى أخرى نظراً لخبرته مع صندوق النقد الدولي. ويفترض أنّ علاقته جيدة مع مختلف الأطراف لكنه سيكون صوت رئيس الحكومة في الوفد المفاوض مع صندوق النقد. وزير الخارجية عبد الله بو حبيب له رأيه الاقتصادي أيضاً نظراً لخبرته مع البنك الدولي وهو أقرب إلى رئيس الجمهورية في تركيبة الحكومة “القوس قزحية”.
إليهما، هناك وزير المال يوسف الخليل، ممثل الثنائي الشيعي الى طاولة ميقاتي وفي المفاوضات مع صندوق النقد. كذلك سيكون لوزير الطاقة، وهو الوافد من عالم المال رأيه في المداولات المالية والنقدية، وهو ممثل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. كذلك الأمر بالنسبة لوزير الاقتصاد أمين سلام. وهناك أيضاً وزير البيئة ناصر ياسين “ممثل” رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، وهو الخبير بدوره بالأرقام والدراسات والتخطيط.
ولكن، في المجمل، قد يكون هناك أكثر من جبهة اقتصادية على طاولة الحكومة بدليل ما شهدته نقاشات اللجنة الوزارية التي كلّفت وضع البيان الوزاري. واول العناوين الخلافية بدا في خطة الكهرباء بسبب خشية فريق رئيس مجلس النواب نبيه بري من إعادة احياء طرح معمل سلعاتا. فيما يبدو أنّ خطة التعافي الاقتصادي التي وضعتها حكومة حسان دياب وواجهت اعتراض المصارف الخاصة، ستكون موضع خلاف جديّ على طاولة ميقاتي نظراً لاصرار رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه “حزب الله” كما يقول بعض المواكبين على اعادة طرحها وتبنيها بعد تحديثها، فيما يفضّل رئيس الحكومة الحالي نفضها من أساسها والذهاب نحو خطّة مغايرة كلياً تراعي مصالح القطاع المصرفي.