Site icon IMLebanon

هل ينجح «العقل الإقتصادي» في الحكومة في خرق «العباءة السياسية»؟

 

 

لا يختلف اثنان على أنّ تركيبة الحكومة الحالية، من رئيسها الى وزرائها، توحي بأنّ المطلوب منها الاهتمام أولاً وثانياً وثالثاً بالوضع المالي والاقتصادي، وإنجاز الانقاذ. لكنّ تحقيق خرق في جدار هذه الأزمة لن يتم بلا تسهيلات سياسية. فهل قرار التسهيل قائم، أم العكس صحيح؟

لأنّ الأزمة المالية صعبة ومعقدة، وتنعكس يومياً على مفاصل حياة اللبنانيين، تتزاحم الافكار والطروحات التي يبحث أصحابها عن إجراءات يتم اتخاذها في الدول التي تواجه أزمات مثل الأزمة اللبنانية. لكنّ خيار اتخاذ إجراءات بالمفرّق لا يجدي نفعاً، بل قد يتسبّب بمزيد من الخسائر، ولا خيار خارج إطار خطة إنقاذية شاملة.

 

هذا الواقع يدركه وزراء الاختصاص في الحكومة، لكنّ الرياح تجري أحياناً بما لا تشتهي السفن. والرياح هنا تمثّلها المواقف السياسية التي تتحكّم بقرارات حكومة تنتظر ثقة المجلس النيابي في الايام القليلة المقبلة. وقد جاءت تجربة مشروع قانون موازنة 2020 لغير مصلحة الحكومة، إذ أعطت الانطباع بأنّ أي «مواجهة» بين الحكومة والقوى السياسية التي أوجدتها، ستنتهي فوراً لمصلحة صاحب الوصاية، وخضوع المُوصى عليه. صحيح انّ الموازنة في هذه الظروف لن تقدّم أو تؤخّر كثيراً في الوضع الحالي، لكنّ طريقة مقاربة الموضوع تشكّل نموذجاً لقدرة تعاطي حكومة دياب مع الملف الأهم والأخطر المتعلق بالانقاذ.

 

حتى الآن، لم تتم مقاربة موضوع طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي في إطار خطة إنقاذية شاملة. لكنّ المواقف السياسية التي تصدر بين الحين والآخر، تؤكد انّ الممانعة في وجه مشروع من هذا النوع قد تحول دون اعتماده. والمشكلة انّ قوى سياسية لا تزال تعتقد انّ معالجة الأزمة يمكن أن تتم بسرعة، وعلى طريقة وديعة من هنا، وهِبة من هناك، و«بيمشي الحال». في حين انّ هذا التفكير الذي ينقصه العلم والمنطق والواقعية، لم يعد يصلح. بل انّ هذا الاسلوب الذي استخدم سابقاً، لم يُعالج مرّة الأزمة، بل جاء في إطار إطالة عمر المريض. بالاضافة الى ذلك، أصبح البلد اقتصادياً ومالياً في مكان آخر، لا علاقة له بالوصفات التي كانت تعتمدها السلطة السياسية في الظروف السابقة.

 

لماذا تبدو الخطة الانقاذية الشاملة هي الخيار الوحيد الذي يمكن ان ينتشل البلد من الأزمة، وماذا ينبغي أن تتضمّن؟

 

من أخطر مفاصل الأزمة المالية الحالية أنها تبدو غامضة، وبالتالي لا يمكن التكهّن بعمق المشكلة. هذا الغموض غير البنّاء، ينجلي وتصبح الصورة واضحة في حالات تنفيذ خطط الانقاذ الشاملة. ومن المعروف أنّ واحدة من نقاط الضعف الاساسية التي أوصَلت اليونان الى الافلاس، تلك المتعلقة بإخفاء حقائق مالية، وتقديم بيانات دفترية تبيّن لاحقاً انها غير مطابقة للواقع.

 

وبالتالي، المهمة الاولى التي ستنجزها أي خطة إنقاذية في لبنان بالتعاون مع صندوق النقد، ستقضي بتوضيح الارقام والوقائع، لتوصيف الأزمة على حقيقتها، ومن هذه النقطة يبدأ الحل. إذ بعد تقييم وضع المالية العامة، ووضع المصارف، وأوضاع القطاع الخاص، يمكن وضع الخطوط العريضة للخطة المطلوبة.

 

من خلال قراءة المواقف الخارجية، وفي مقدمها الموقف الأميركي، هناك فرصة امام الحكومة لكي تحظى بالضوء الأخضر لبدء عملية الانقاذ. لكن ما ينبغي أن تُثبته هذه الحكومة في المقام الاول، هو انها قادرة على الخروج من عباءة الوصاية السياسية. والاختبار الحقيقي سيكون من خلال قدرتها على اتخاذ قرار الانقاذ المالي بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والمجتمع الدولي.

 

لذلك، سيكون الرهان على مضمون البيان الوزاري لهذه الجهة. واذا كان رئيس الحكومة أعطى توجيهاته، لكي يُصاغ البيان بلغة واضحة وعملية، والابتعاد عن الانشاء اللغوي الغامض، فهذا يعني انّ مسألة الانقاذ ينبغي ان تكون واضحة المعالم في هذا البيان.

 

يدرك «العقل الاقتصادي» في حكومة حسان دياب عمق الأزمة المالية، ويدرك هذا العقل انّ الاقتصاد لن ينجو من دون استعادة الثقة، لأنّ التدفقات المالية من اللبنانيين في الخارج شكّلت وحدها حوالى 20 في المئة من الناتج المحلي، وهي من أعلى النسَب في العالم. وسواء قررنا بناء اقتصاد منتج، أم استمررنا في اقتصاد الخدمات والريع، نحتاج الى استعادة هذه التدفقات، بالاضافة الى الحاجة الى عودة الاستثمارات الخارجية والمحلية. لكنّ التعويل الاول هو على أموال اللبنانيين أنفسهم، لأنهم الطرف الاسهل في المعادلة، وهم أول من سيشقّ طريق العودة للتعامل مع المنظومة المالية في لبنان.

 

حتى الآن، الوضع المالي والاقتصادي يمضي بسرعة نزولاً، والسنوات القليلة المقبلة ستكون صعبة، مع خطة إنقاذ أو من دون خطة. الفارق الوحيد بين الوضعين اننا مع خطة إنقاذ سنشعر بتحسّن سنة بعد سنة، وبلا خطة سنختبر الألم الذي يتضاعف يوماً بعد يوم. ومع هذا النوع من الألم لا وجود لقعر، دائماً هناك ألم أكبر وأصعب.